نزار عادلة نزار عادلة

في الشركة العامة للأسمدة..فساد معلن إعفاء الإدارة، بعد سنوات من النهب المنظم وتخريب أكبر مجمع اقتصادي في سورية

في عام 1978 شُكلت في سورية لجنة، بأمر من الرئيس الراحل حافظ الأسد، سميت لجنة «التحقيق في الكسب غير المشروع»، وكان الحديث عن هذه اللجنة حديث الشارع، عن دورها ومهامها، والرموز الذين سوف تطالهم. ولكن تعطلت أعمال هذه اللجنة أيام قليلة واحد من تشكيلها، تعطلت، لأن هناك قيادات في مواقع اقتصادية وسياسية هامة، هي التي نشرت الفساد، وهي التي أثرت على حساب الوطن، من خلال انتهاك القوانين، والتشجيع على انتهاكها. ومن خلال تخريب الضمائر والذمم، ونشر فلسفة التخريب الأخلاقي، وجر موظفين ومدراء ووزراء في قطاعات العمل والإنتاج، إلى مزالق الرشوة والسمسرة والوساطة، خصوصاً بين الشركات الغربية وسوقنا المحلية.

نعم، أوقفت اللجنة أعمالها، واستمرت مافيا الفساد قائمة تمارس أعمالها، وقد توسع نشاطها ونمت نفوذاً وقوةً، وعملت على إحباط الخطط التنموية، من خلال الهيمنة على مشاريع هذه الخطط، بواسطة المقاولين الملحقين بهذه المافيا، أو إيقافها وإحباطها بسبب الهدر والإنفاق العقيم، واستيراد تكنولوجيا متخلفة، وتحقيق أرباح وعمولات خيالية.
وقد أصبحت هذه المافيات عدواً داخلياً للوطن، ولأحلامه وآماله الاقتصادية والسياسية، وهي تمثل حصان طروادة للشركات الغربية، لأنها ترتبط بها ارتباط عمالة وسمسرة ووساطة.

الأسمدة نموذجاً

هي أكبر مجمع صناعي كيميائي في سورية، ومن أهم الشركات الصناعية، وتنبع أهميتها من عدة عوامل، أهمها إن جميع المواد الأولية الداخلة في التصنيع هي ثروات طبيعية.
الحجم الكبير لليد العاملة في هذه الصناعة هو إحدى ركائز تحقيق الأمن الغذائي، فضلاً عن تعدد أنواع المنتجات الثانوية، ومنها: حمض الكبريت، حمض الآزوت، وحمض الفوسفور، والتي تعتبر من المواد الأساسية لكثير من الصناعات الكيميائية في سورية.
تحوي هذه الشركة أموالاً ثابتة بقيمة مليار دولار، وعدد العاملين فيها نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة عامل. منذ إنشاء هذه الشركة وهي تعاني من مشاكل فنية، وهي تُسرق وتُنهب بشكل منظم، من خلال مدراء أساسيين وفرعيين جاؤوا إلى الشركة بطرق غير مشروعة، وتعاني منذ إنشائها من تدني مؤشرات الأداء الاقتصادي، والمتمثلة في تدني الإنتاج وزيادة تكلفته، وزيادة استهلاك هذا المنتج للمواد الأولية. ومنذ إنشائها، وخسارتها سنوياً مئات الملايين من الليرات السورية، وتبين الميزانيات أن الخسارة التجارية للشركة بلغت مليار ل.س من عام 1979 حتى 1999. أما الخسائر الاقتصادية فهي أضعاف ذلك، وقد سألت أكثر من مدير تواكب على إدارة هذه الشركة عن أسباب الخسارة!
قال أحدهم: لا يهمني، سوف أترك الشركة إلى موقع أعلى، وأسباب الخسارة سوء التصميم وقِدم المعدات. وقال آخر: سبب الخسارة هو عدم اهتمام الجهات الوصائية بالشركة.

لهاث السماسرة

على أبواب الشركة وفي أروقة صالاتها كنت أجد عشرات التجار والسماسرة وهم يحملون أضابيرهم ويقدمونها لاستقدام مواد أولية أو قطع تبديلية، وكانت هناك شراكات حقيقية بين هؤلاء وعشرات المدراء في مفاصل الشركة، حيث تعقد الصفقات وترسو المزايدات على من يدفع أكثر، ولكلٍ نصيبه من الكعكة.
وأمام هذا الانهيار، وبعد اجتماع موسع في الشركة مع وزير الصناعة، في الشهر الرابع من العام 2000، كلف الوزير مهندساً بإدارة الشركة، وقد بادر هذا المدير مباشرة إلى عزل مدراء ورؤساء أقسام، واتخذ جملة من الإجراءات التصحيحية على كافة الأصعدة، وكان من نتائجها نقل الشركة نقلة نوعية من حيث زيادة كمية الإنتاج وتخفيض كلفة واحدة المنتج، وتخفيض استهلاك قطع الغيار، وتم حل معظم المشاكل الفنية المتراكمة، ووصل الإنتاج إلى أعلى معدل بتاريخ الشركة، حتى أن المصرف الزراعي توقف عن استجرار السماد، لامتلاء مستودعاته، بل وطالب وزير الصناعة بتصدير الفائض.
انقطعت الأرزاق، وهذا الاستقرار الفني والإنتاجي لم يرض بعض المتنفذين، قادة الفساد الذين تضررت مصالحهم الشخصية، فئة مرتبطة مع فئات مسؤولة، كانوا يستوردون السماد، وفئة أخرى كانت تصلهم الحصص، انقطعت أرزاقهم، واتُخذ قرار بتاريخ 1/8/2002 بعزل المدير العام، بعد حرب شعواء استمرت عامين، وتقارير كانت ترفع من الجهات المسؤولة في المحافظة، إلى أن اتخذ رئيس الوزراء قراراً بعزل المدير دون الرجوع إلى وزير الصناعة.

الرجوع إلى الماضي

كُلفت إدارة جديدة، بموافقة وترشيح الجهات الوصائية في المحافظة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن تراجع الإنتاج بنسب كبيرة، ورافق ذلك زيادة استهلاك وهدر في المواد الأولية، وجاءت ميزانيات الشركة لعام 2003 و2004 لتؤكد تدني مؤشرات الأداء الاقتصادي.
انخفاض كمية الإنتاج في عام واحد بنسبة 14.35%، وانخفاض في معدل تنفيذ الخطة 12%، وتراجع الإنتاج الإجمالي، وانخفاض إنتاجية العامل بنسبة 16%، وانخفاض إنتاجية الليرة 15.37%، وارتفاع نسبة قيمة المستلزمات السلعية والخدمية، وتقدر قيمة تراجع الإنتاج في عام واحد بحوالي 659 مليون ل.س، وتوقف معمل الأمونيايوريا، وبيانات عام 2005 المالية والإنتاجية، تبين الخسائر وزيادة قيمة المستلزمات.

هدر وصفقات مع شركات أجنبية وعربية

هدر 200 مليون ل.س بإعطائها لشركة سياب التونسية، والتنازل عن الدعوى المقامة ضد هذه الشركة، علماً أن هذه الشركة كانت قد تنازلت عن جميع مطالبها لقاء سحب الدعوى.
هدر مئات الملايين، بشراء مواد منتهية الصلاحية وبأسعار مضاعفة.
شراء أكياس لتعبئة السماد، بضعفي المبالغ التي كان يتم الشراء بها، مما كبد الشركة خسارة 50 مليون ل.س.
ل.س.
لا أحد يسمع
كتبنا أكثر من مرة عن هذا الواقع، ولكن لا أحد يريد أن يسمع، المجلس الإنتاجي والفرقة الحزبية واللجنة النقابية، والجهات المسؤولة في حمص، كانت صامتة، وتشعر بالرضا الكامل عن الإدارة، وأمام هول الواقع، تم استدعاء لجنة خبراء من إيران، من وزير الصناعة، لدراسة واقع الشركة، وكانت النتيجة هي التقرير المسجل في الوزارة برقم 944 تاريخ 5/4/2006 والذي يصرح بما يلي:
«إن تصميم وحدات الشركة العامة للأسمدة جيد، وإن هذه الوحدات قادرة على الإنتاج بصورة مناسبة، إلا أنه وبسبب عدم صيانتها بصورة مناسبة، فإنها تعمل حالياً بطاقة إنتاجية أقل من طاقتها الإنتاجية المخطط لها».
كما جاء في التقرير الصفحة السادسة: «إن أبرز المشاكل الموجودة في الشركة العامة للأسمدة، والتي هي من العوامل المهمة في انخفاض الإنتاج في هذا المجمع هي: «إدارة غير مناسبة وغير منهجية».
الخسارة بشكل عام مليارا ليرة سورية، هدر مواد وتلف معدات، ونامت كتاباتنا في الأدراج، ونامت التقارير التفتيشية إلى جانبها، والوثائق بالأرقام بين أيدينا!!
في أواخر آب الحالي 2007، تم إحضار التقارير، ورُفعت مقترحات بعد خمس سنوات من التخريب، بعزل الإدارة وفرض غرامات بمئات الملايين، نتيجة الخسارات وتدني الوضع الإنتاجي والفني بشكل عام.