كيف أصبحت شيوعياً؟

يظل لساحلنا السوري- شأنه شأن جميع مناطق سورية الغالية – حضوره الفعال في ميادين النضال الوطني والطبقي، ففي مدنه وقراه، في السهل والجبل، تتردد أصداء ملاحم الكفاح وتضحيات الثوار والمناضلين من أبنائه الذين كرسوا منذ أوائل القرن الماضي تقاليدهم المشرفة التي ألهمت وتلهم الأجيال المتتالية أن تتابع درب العزة والكرامة والحرية، وفي الوقت ذاته يبقى اتصال الأمس باليوم نحو غد لابد أن يأتي حافزاً لنا جميعاً لنكون جديرين برفع راية  الشعب والوطن عزيزة خفاقة.

ضيف هذا العدد هو الرفيق رئيف مرشد بدور..

الرفيق المحترم أبو طارق، نرحب بك، ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟

أنا من مواليد محافظة طرطوس - بلدة يحمور عام 1951 من أسرة فلاحية. والدي كان من الشيوعيين القدامى، وكان له نشاطه على مستوى نشر الفكر الثوري في المنطقة، وشارك بحماس وإخلاص في النضال بين صفوف الفلاحين والعمال، وكان يتنقل في كل قرى الساحل ساعياً لحشد العمال والمزارعين في المنطقة للمطالبة بحقوقهم العادلة، ولاسيما في تحديد ساعات العمل.

تعلمت في مدرسة القرية وحصلت على الشهادة الابتدائية، ثم تابعت تعليمي في التجهيز بمدينة طرطوس ونلت الشهادة الإعدادية ثم  الثانوية عام 1972، وسافرت بعدها للدراسة في جامعة الصداقة بموسكو، وتخرجت منها ببداية الثمانينات، ثم عدت إلى أرض الوطن لأعمل في شركة الطرق، وما زلت أعمل فيها حتى اليوم.

بداية تعرفي على الشيوعية كانت من خلال بيتنا الذي كان داراً للرفاق، والآن وأنا أحدثكم تعود بي الذكريات إلى أواخر خمسينات وأوائل ستينات القرن الماضي، فأتذكر الأحاديث عن الاشتراكية والكادحين والثورة على الظلم والاستغلال والاستعمار، وأتذكر ما كان يروى عن أخبار الاتحاد السوفييتي وطن العمال والفلاحين، عن فرق الأنصار وبطولاتهم والجيش الأحمر ودخوله إلى برلين، وكذلك أخبار الحزب الشيوعي السوري خلال فترة الوحدة وما تعرض له من اضطهاد وقمع بوليسي عنيف. وأتذكر كيف اعتقل والدي مع أعداد كبيرة من الرفاق، وبعد خروجه من السجن مُنع من السفر ووضع تحت الإقامة الجبرية، وعندما التحقت بالمرحلة الإعدادية تعرفت على الكثير من الطلاب الشيوعيين، ومنهم جورج بطرس حلاق، وأول فرقة انضممت إليها كان يقودها الرفيق محمود حمصي، وهو عضو لجنة فرعية، وقد قتل غدراً وهو يدافع عن أحد أصدقائه، في ذلك الوقت كان الجو العام جو نهوض وطني وشيوعي ويساري مما ساعدنا على تشكيل عدد من الفرق الحزبية، وأذكر من الرفاق حينها رزق الله داود وعقل دعبول وعيسى جبور ورفيق من بيت فرح والرفيق عصام، ولن أنسى أبداً دور مدرّس مادة الفلسفة الرفيق عزيز خوري في تنمية وعينا الطبقي وشحذ هممنا. لقد كنا طلاباً نشيطين معروفين لدى كل الطلاب، وقد هددتنا إدارة الثانوية بالفصل أكثر من مرة لنشاطنا الحزبي والسياسي.

صرت سكرتير فرعية الطلاب، كما أصبحت في عداد اللجنة المنطقية لمحافظة طرطوس، وكنت أعمل بكل اندفاع مؤمناً بالعمل الجماعي بدافع التعاون والحب الذي يجمعنا حيث كنا نتقاسم قرص الفلافل ورغيف الخبز وحتى السيكارة، وننام من عشرة إلى خمسة عشر رفيقاً في غرفة واحدة في بيتنا.

حين حدث الانقسام الأول في الحزب ترك أثره الكبير على الرفاق، وبدأ تفرقهم، فذهب عدد منهم مع الرفيق رياض الترك، وبقي عدد في صفوف الحزب، وكان والدي يكن كل الاحترام للرفيق خالد بكداش ويقول: «أنا معه دون تردد أو تحفظ».

مارست العمل النقابي باتحاد العمال نقابة عمال البناء والأخشاب، ومثلت الحزب في الإدارة المحلية، وانتخبت عضواً في مجلس محافظة طرطوس لأكثر من دورة، وصرت سكرتيراً للجنة المنطقية، وحضرت مؤتمرات الحزب منذ المؤتمر السابع، وانتخبت عضوا في اللجنة المركزية للحزب. وفي المؤتمر العاشر انتخبت أيضاً عضواً في اللجنة المركزية (تنظيم النور)، والرفاق يعرفون أنني كنت منفتحاً على الجميع، لم أتخندق منعزلا عن أي رفيق، ومازلت مقتنعاً بضرورة التنظيم والعمل لبناء حزب شيوعي واحد يقوم بدوره كحزب للجماهير الشعبية، ويؤلمني واقع الانقسامات الذي جعل الحزب يفقد أعداداً كبيرة من خيرة مناضليه الذين ابتعدوا عن التنظيم بعد أن فقدوا الأمل بجدوى عمل الفصائل. لقد قدموا زهرة شبابهم لخير الحزب والشعب والوطن، وأبوا أن يكونوا أزلاماً لأحد.. إنهم ضحايا الانقسامات.

في انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة رشحت نفسي لعضوية مجلس المحافظة بصفة مستقل، ونجحت في الانتخابات، وكنت الأول بين المستقلين، وأنا اليوم عضو في مجلس المحافظة، وأقول بمنتهى الوضوح والصراحة: إن الواقع الحالي يثبت أن كثيراً من (القياديين) لم يبق لديهم ما يعطونه للحزب بعد أن أصبحت لهم مصالحهم، وصار همهم الحفاظ على مراكزهم، ولم يعد يضيرهم أن يبتعد الحزب عن أداء دوره الحقيقي وعن خطابه السياسي ومنطقه ولغته، ولم يعودوا يرون فيه منظومة فكرية سياسية نضالية أخلاقية متماسكة. وبصدق أقول: لولا وجود صحيفة «قاسيون» ووجود اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين لضاعت أعداد هامة من الشيوعيين.

إن الحوار الجاري اليوم بين الرفاق حول وحدتهم هام وجيد، ولكنه يحتاج أن يرافقه عمل ملموس على أرض الواقع، ولست أنكر دور العامل الذاتي فهو مهم، وعلينا أن نساهم في تقديم الشباب الذين تمرسوا بالعمل اليومي.

المتفاعل مع خطاب الحياة، لقد كرست حياتي لهذا العمل وهذا النضال وأتعامل مع الرفاق بدافع من كل جوارحي، وكما يقول الرياضيون: أنا مازلت هاوياً، ولن أكون محترفاً، ومازلت مفعماً بالروح الرومانسية الثورية.