لكل مكان... أزمة ومآل!!
تركزت أنظار الاقتصاديين في بداية الأزمة المالية العالمية لتحديد سببها، نحو آلية الإقراض والاستدانة التي اتبعتها المصارف في سوق العقارات خاصةً الأمريكية منها، وتحديداً الأزمة التي سميت بـ«أزمة الرهن العقاري»، حيث استدان الناس من هذه المصارف أموالاً طائلةً وبنسب فوائد متدنية إلى حد كبير بغية الحصول على مساكن خاصة تأويهم وأحلامهم، وفجأةً ساءت الأحوال المعيشية وانخفضت القوة الشرائية، ولم يستطع الناس تسديد أقساط قروضهم العقارية، فكانت الأزمة المالية في أحد جوانبها تتويجاً لهذه المقدمات. والسؤال هنا؛ ألا يمكن أن تشهد السوق السورية عما قريب (لاسمح الله) أزمة مشابهةً من حيث المبدأ، أزمةً يمكن تسميتها حين وقوعها بـ«أزمة أقساط السيارات»؟!
يمكن استقراء ملامح الأزمة القادمة من بعض المقدمات التالية:
من المعروف أن السوق السورية تشهد استمراراً مدهشاً في العروض المغرية/المغرضة التي تقدمها المصارف الخاصة ومعارض السيارات (مجتمعين ومتفقين) في ظل نظام السوق الحر الذي تكتفي فيه الحكومة بمراقبة عمليات البيع والشراء دون ممارسة دورها الحقيقي في التدخل لمنع اختلالات توزع رؤوس الأموال، تاركة الأمر لقوانين السوق وعلى رأسها قانون العرض والطلب. وبما أن الطلب على السيارات يتغذى على أحلام الناس البسيطة بامتلاك سيارة خاصة بهم تعفيهم من شرور التشرد في الشوارع بانتظار رحمة الباص أو السرفيس، فمن الطبيعي جداً أن يستمر الكثيرون بالوقوع في فخ الاقتراض من المصارف لشراء السيارات السياحية من معارض السيارات بأسعار خيالية وأقساط شهرية لا تقل عن عشرة آلاف ليرة سورية. وفي المقابل فإن أسعار جميع السلع الحياتية مستمرة بالارتفاع بينما تستمر القوة الشرائية لمرتبات الموظفين بالانخفاض، ناهيك عن جمود هذه المرتبات تحت سقف منخفض لم يعد يسمح لمحصليه أن يتحملوا أعباء تأمين السلع الأساسية لحياتهم... وما إلى ذلك من مقدمات ومؤشرات اقتصادية ومعيشية لا يمكن حشدها أو حصرها جميعاً، كونها تحتاج ربما مجلداً واسعاً لسرد تفاصيلها. وبما أن طبيعة السوق في ظل غياب الرقابة تجنح إلى زيادة تمركز رأس المال في يد قلة قليلة من المنتفعين، فإن البقية الباقية من ذوي الدخل المحدود والدخل الآيل للسقوط تحت سلطة التحديد، ستبقى دون مدخرات أو فائض مالي كاف لتسديد الديون والأقساط، لذلك فالنتيجة المنطقية ستكون استسلام المقترضين (أو المقسطين) في لحظة ما أمام حاجات الحياة الحقيقية والأساسية، وإهمالهم لسداد ديونهم نتيجة انعدام قدرتهم على سدادها، ما يسمح للمصرف المُقرض بالاستيلاء على سياراتهم التي لم يملكوها بعد، وبذلك تكون الأزمة على شاكلة أزمة الرهن العقاري الغربية لكن برداء مغاير، حيث تغدو موجودات المصارف في سورية مقتصرةً على سيارات من الأنواع كافة، لكن لا يمكن بيعها مجدداً، ليس لأنها مستعملة بل لأن السيولة المالية حينها ستختفي من أيدي من يحلمون بالشراء، وستصبح الأموال كلها في جعبة شركات استيراد السيارات التي حولتها منذ البداية إلى شركات الإنتاج المتموضعة بكل بساطة في بلدان أخرى!
أي سنشهد حينها أزمتنا الخاصة جداً، ألا وهي أزمة انعدام السيولة واختفاء المدخرات من أيدي الناس، وسنسميها «أزمة أقساط السيارات»! ولذلك فإن النصيحة تبقى للقليلين الذين حالفهم الحظ ولم يدخلوا بعد لعبة شراء السيارة بالأقساط سواء أكان ذلك لأن مدخراتهم لا تكفي لتسديد الدفعة الأولى (التي لا تتجاوز أحياناً 100 ألف ليرة)، أو لأنهم واعون (بالفطرة) لما يعنيه نظام الأقساط من تهديد لعاداتهم الشرائية البسيطة والتي تقتصر على الأساسيات من الغذاء والثياب ومواد التنظيف إلى جانب ما تجبيه منهم الحكومة عبر الفواتير المتذبذبة (حسب أهواء المستكشفين) وعبر الضرائب الغرائبية التي ما أنزل الله بها من سلطان!
وعليه فإن أقل الناس تأثراً بالأزمة القادمة سيكونون أولئك الذين لم يربطوا أنفسهم بحبال التقسيط التي من شأنها حين «يدق الكوز بالجرة» أن تسحبهم إلى غياهب الفاقة واختلال التوازن المالي، وربما إلى فقر مضاعف لم تشهد له الدنيا مثيلاً من قبل.. فاحذروا يا أولي الألباب وابتعدوا عن التقسيط!