البعبع..!!
مذ ولدنا ونحن محبوسون في زجاجة مدورة، ليس فيها إلا نحن وشيء من الخوف يلاحقنا، يبدأ بحجم الدودة ثم ما يلبث أن يعشش في أذهاننا وينخر في عقولنا حتى نراه وحشاً ضارياً يفتك بنا.
فالطفل ترعبه أمه بالبعبع الذي سيأكله إن لم يطع أوامرها، وحين يكبر قليلاً يخيفه أبوه بالبعبع الذي سيخطفه إن تأخر في العودة إلى المنزل.
وفي المدرسة يرى أول بعبع حقيقي، أستاذ بعصا، يأمر وينهر ويضرب، يُسكن الخوفَ قلوبَ تلاميذه حتى يستفرغ طاقاتهم ـ وفق أحدث الدراسات التربوية ـ ثم يعيش بعبعاً من نوع آخر، قد يصيبه وعائلته بأنواع من الأمراض النفسية والاجتماعية، وهو «البكالوريا» التي باتت العقدة التي يُحسب حسابها قبل سنين!
فإن اجتازها فبعبع الزواج, والمسكن, والرزق... الرزق: إنه بعبع الخبز الذي إن لم تقتله، قتلك أولادك بأسنانهم الجائعة.
والشرطي بعبع والموظف كذلك، والمسؤول: آه... إنه كبير البعابيع!!
أما إن كنت صحفياً، فبعبعك أشد خطراً وفتكاً، يترصد بك الدوائر، ينتظر زلة أو غلطة، حتى إذا وقعتَ علمتَ أنك ما مر بك سوء من قبل، وأن جميع البعابيع ما كانوا سوى «قرمشة»، فأنت سترى ـ إن بقيت لك عين ترى بها ـ نجوم البعابيع في واضحة النهار.
هذا الخوف الذي يعيشه المواطن العربي من المهد إلى اللحد، هو ـ حسب ظني ـ ما يجعل بلداننا العربية في مصاف الدول المتخلفة.
مواطن.. يخشى التعبير عن رأيه، يخشى الحديث عن خلجات نفسه، فضلاً عن أن ينتقد فساداً، أو يصلح خطأ، أو يصدع بالحق، هذا المواطن ـ قل لي بربك ـ ما الذي نرجوه منه؟
مواطن.. يعد الشجاعة والقوة ونصرة الحق تهوراً وتهلكة، لن يبني أمة، ولن يحرر أرضاً، ولن يقف بوجه عدو!
يا سادتي! مواطن لا يملك «لسانا»، أقل ما يوصف به أنه مواطن جبان، ولكن على رأي المثل: «ألف كلمة جبان... ولا كلمة...».
يا سادتي! انتظروني في العدد القادم، فإن لم تجدوا مقالتي، فاعلموا أني وقعت في براثن البعبع والتهمني!
وعذراً من كل الذين لا يملكون لساناً، ولكن.. أظن أن أحدهم لن يجرؤ أن ينعيني! فالبعبع يراقبه!!