حكمت دولي.. في الذاكرة

بأسف وأسى قرأت في جريدة قاسيون الغراء، نعوة الرفيق المناضل الشيوعي حكمت دولي (أبو ناظم)، دون أن أتمكن من توديعه بكلمة مناسبة قبل مضيّه إلى مثواه الأخير، ترطب ثراه.

علي أن أذكر وأنا في موقف العزاء المتأخر هذا، بأن هذا الرفيق الجليل كان في أربعينيات القرن الماضي، يتجول بدراجته الهوائية في قرى جنوب القامشلي، كمصلح بوابير كاز، ويحدث الفلاحين عن مظالم الإقطاع، وعن مبادئ الحزب الشيوعي التي تدعو إلى توزيع الأراضي على الفلاحين، وعن الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي... وهكذا بنى منظمات للحزب في قرى حلكو وطرطب وذبانة وغيرها الكثير.. فتحولت هذه المنظمات في العهود السرية مراكز قيادة النشاط الحزبي. 

كان الفقيد الراحل، يعرف بأبو كلنك (عصا قصيرة في أحد رأسيها كتلة محدبة)، كان يواجه بها اعتداءات الدرك على المظاهرات الحزبية، ويتواجد دائماً في المكان الذي يشتد فيه هجوم المعتدين على المتظاهرين، ويردهم على أعقابهم بجرأة نادرة.

ثمة طرفة لا بد من ذكرها في هذا السياق. ذات مرة، في العهد السري، كان هو والرفيق ملكي عيسى مختبآن في حوش مهجور قرب القامشلي، بعيدين عن بعضهما، فتعرضا لأمطار غزيرة دامت أكثر من نصف ساعة، وعندما التقيا كانت ثياب الرفيق ملكي مغمورة بالمياه، بينما ثياب أبو ناظم جافة تماماً. سأله الرفيق ملكي متعجباً: كيف نجوت من هذا المطر القوي؟ أجابه تعريت كلياً وخبأت ثيابي تحت إحدى الشجيرات، وعندما توقف المطر جففت جسمي وارتديت ثيابي!.

كان أبو ناظم كالجندي المجهول، ينفذ توجيهات الحزب بأمانة وصدق واندفاع، ولا يسأل عن مكسب أو منصب، لذا كان محبوباً ومحترماً من جميع الرفاق الذين عرفوه وعملوا معه.

وفي اعتقاله في عهد الوحدة، كان يتميز ليس بصموده البطولي تحت تعذيب الجلادين الوحشي وحسب، بل كان يرفع معنويات رفاقه المسجونين ويسهل الصمود أمامهم، لذا كان آخر سجين يخرج من سجن المزة من بين رفاقه المعتقلين.

أيها الرفيق الراحل.. إن البذور الطيبة والمبادئ السامية التي زرعتها قبل أكثر من ستين عاماً، تحولت إلى أشجار باسقة عميقة الجذور في أوساط جماهير منطقة الجزيرة، والكثير منهم أطلقوا اسمك على أبنائهم، وإن نضالك وتضحياتك ومواقفك البطولية، مخزونة في قلوب وضمائر رفاقك باحترام كمثل يحتذى دائماً.. إن المبادئ السامية التي ناضلت في سبيلها، لا تزال رايتها مرفوعة عالياً، ورفاقك يسيرون بخطى حثيثة نحوها تحت شعار «نمشي ونكفي الطريق»..

■ عبدي يوسف عابد