أطباء مشفى الكلية في سجن جماعي
يعد مشفى الكلية الجراحي من المشافي الحكومية الهامة التي تقدم خدمات جمة للمواطنين دون أي مقابل نقدي، ولعل ما يزيد هذا المشفى أهمية إجراؤه العمليات الجراحية لزرع الكلى في الآونة الأخيرة نتيجة لازدياد عدد المصابين بقصور الكلية في المحافظات كافة. وبمقارنة بسيطة بين ما كان عليه المشفى وما تم ملاحظته في الفترة الماضية، يتبدى أن الأوضاع لا تسر أي متتبع أو حريص على هذا الصرح الكبير، فالمعاناة تبدأ بالظهور منذ دخول أي مريض إلى قسم الإسعاف لعدم توفر الأدوية المطلوبة للعلاج، مما يضطر المريض لشراء معظم الأدوية من خارج المشفى بأسعار مضاعفة وغالية الثمن، كأدوية «روزفليكس» على سبيل المثال، أما إن توفرت الأدوية فتكون الكمية محدودة بحيث لا تكفي لأكثر من يومين، لتتعاود من جديد معه معاناة المرضى في البحث عن الدواء أو عن واسطة تفي بالغرض.
وعلى الرغم من الميزانيات الكبيرة التي تخصص لشراء الأجهزة الحديثة، فإن المشفى مازال يفتقد إلى التقنيات الطبية في مجال كشف ومعالجة الأمراض البولية، مثل أجهزة الليزر التي لم يعد ممكناً الاستغناء عنها أو المعالجة دونها بأي شكل من الأشكال في معظم المستشفيات العالمية التي تعمل أو تتخصص بهذا المجال.. علماً أن المشفى قدم طلباً لاستقدام جهاز ليزر عن طريق مناقصة تابعة لمديرية صحة دمشق، إلا أن الطلب لم تتم الموافقة عليه إلى الآن، والحجة التي تبرر فيها إدارة المشفى عدم شراء الجهاز في الوقت الحالي، أن الوزارة لم تعد تقدم لها الدعم المطلوب، وأن المشفى قد تحول إلى هيئة عامة وعليها شراء تلك الأجهزة على نفقة خزينتها.
أما بالنسبة للأطباء المقيمين فحدث ولا حرج، فلا مكان للنوم أو للاستراحة بين المناوبات، والأكل دون المستوى، فليس معقولاً أن تخصص غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها 4 م2 ليقطن فيها أكثر من /25/ طبيباً مقيماً، لذلك فهي تصبح أشبه بسجن جماعي، يضطر الأطباء الاعتماد عليها في كل شيء (الأكل والمنامة، المشرب، الحوارات الطبية وتبادل الخبرات).
وعلى الرغم من حرارة الصيف العالية قضى الأطباء أيامهم الحارة دون المكيفات التي كانت حينها غير مركبة، علماً أنها أحد الشروط الضرورية لعمليات التعقيم التي تصل أحياناً لأكثر من خمس ساعات متواصلة، مما يجعل الطبيب عرضة للتعرق وبذل جهد مضاعف وغير مناسب للتعقيم.. واللافت هنا أن المكيفات لم تركب إلا بعد انتهاء موجة الحر.
ومازال قسم العمليات الموجود في المبنى الجديد بين الرفض والقبول، والذي رفضه وزير الصحة السابق ساعة الاستلام والتدشين بسبب عدم مطابقته للمواصفات المطلوبة.
وما يترك أكثر من إشارة استفهام أن المشفى يقيم في أقسامه أطباء مقيمون للتدريب من أجل الحصول على الاختصاص، والأطباء الاختصاصيون من المفترض أن تكون مهمتهم تأهيل وتدريب الأطباء المقيمين، لكن الذي يحصل على أرض الواقع أن قسماً كبيراً من العمليات التي تجريها المشفى يقوم بها الأطباء الاختصاصيون عن عمد، وكأنما غايتهم ألا يتعلم المقيمون ويستفيدون من خبراتهم بشيء، ومن أمثلة ذلك عمليات تجريف البروستات، وعمليات تجريف أورام المثانة، وتنظير الحالب.
أما جهاز التفتيت الذي تم شراؤه للمشفى الجديد، والذي كان من المفترض أن يكون من أفضل المواصفات في الأسواق الطبية، تبين من خلال مقارنته مع الأجهزة الموجودة في المشافي الخاصة أنه أقل مواصفة ونوعية، لا بل إنه حسب بعض الشهادات أكثر من سيئ ولا يفي بالغرض.
أما الترميمات التي بدأت بها إدارة المشفى منذ ما يقارب أربع سنوات، فلم تكن بالمستوى المطلوب، وهي بدأت ولكن لا أحد يعلم متى تنتهي، والمستغرب عند السؤال عن الأسباب الموجبة للترميمات، أنه لا أحد يعلم ماهيتها أو الهدف منها.
والسؤال إلى متى ستظل هذه الأيدي الفاسدة تعبث بمنشآتنا وصروحنا؟ ولماذا لم تتم محاسبة أحد على التقصير المتعمد كما جرى لإدارة مشفى ابن النفيس؟ ومن هي الجهات التي تساعد هؤلاء الفاسدين وتحميهم من المحاسبة؟
أسئلة برسم وزارة الصحة.. لعل وعسى تلقى آذاناً صاغية للمعالجة.
■.غ. ق