سرافيس جرمانا ـ برامكة، أزمة مقيمة وهموم قادمة
أصبح دأب الكثير من المسؤولين الفاسدين، التفنُّن بصياغة القرارات التي تُحمِّل المواطنين كل يوم عبئاً جديداً يثقل سلة معيشتهم اليومية بتكاليف جديدة، بنِيَّة «تشليحهم» القرش الأخير من مصاريفهم المتواضعة، وتكديسها ثروات وفقاعات نمو في جيوب التجار والمتنفذين وحيتان المال. والأسلوب «المتحضر» الذي يتبعونه في اتخاذ هذه القرارات، بحيث لا يشعر بها المتضررون إلا بعد مرور فترة زمنية محسوبة، وبحيث تصبح أمراً واقعاً وتخف حينها درجة التذمر، هو اتخاذ هذه القرارات في الزمن الميت، واللعب في الوقت الضائع، في غفلة من المواطنين الذين تمسهم نتائجها حين صدورها.
فمع انتهاء العام الدراسي وانقطاع طلاب المدارس والجامعات عن الدوام، قلصت الجهات المخولة وضع البرامج والخطط المرورية، خط سير سرفيس (جرمانا ـ برامكة) إلى (جرمانا....)، ولا ندري ما هو الاسم الجديد الذي سيطلق على خط سير السرفيس هذا، والمواطنون بالتأكيد يخجلون من أن يطلقوا عليه تسمية خط سير، لأن السرفيس لا يكاد يخرج من حدود جرمانا حتى يقول السائق «آخر موقف.... تفضلوا شباب» وهذا الموقف الأخير الذي حدده صانعو القرارات هو في منطقة ابن عساكر عند مجمع مواقف سرافيس السيدة زينب، فتخيلوا لو أن دوام الجامعات مازال منتظماً فما الذي سيحصل لعشرات الآلاف من طلاب الجامعات من أبناء جرمانا؟! إن نزولهم في هذا المكان سيضطرهم لأن يستقلوا الباص التابع للشركات الخاصة للنقل الداخلي للوصول إلى الجامعة، وقد يضطرون لاستعمال سرفيسين أو باصين، فتصبح الرحلة على ثلاث مراحل، ونكون بذلك قد دخلنا بتفاقم جديد للمشكلة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين أثقلت كاهلهم بعبء جديد.
ما الهدف من هذا القرار؟! هل الهدف هو حل أزمة المرور في المدينة؟! أم هو منع سرافيس الريف من الدخول إلى المدينة أصلاً؟! أم هو لأسباب بيئية لتنظيف جو المدينة؟! إن الذي ساهم فعلياً بتفاقم هذه الأزمات معاً هو باصات النقل الداخلي التابعة للشركات الخاصة، التي تسرح في المدينة طولاً وعرضاً، والتي تم إقحامها دون دراسة في الشوارع التي لا تكاد تتسع للمواطنين فقط، وقد تم رفد هذه الشوارع بأعداد هائلة من مختلف السيارات التي استوردها التجار، أيضاً دون دراسة جدية بل ودون أدنى تفكير حول مدى استيعاب هذه الشوارع لهذه الأعداد، وكان القصد فقط تكديس الأرباح الطائلة في جيوب مستوردي السيارات.
إن هذا القرار يصيب في نتائجه السلبية كلاً من طرفي المشكلة «السائقين والركاب»، فالسائقون قد تضرروا بلقمة عيشهم ومورد رزقهم، وألحق بهم الأذى والغبن، وحتى لو تم تخفيض تسعيرة الركوب إلى 5 ل.س بدلاً من 9 ل.س، فإن الكثيرين من المواطنين قد أحجموا عن استعمال السرفيس لأنه عديم الجدوى بالنسبة لهم. وهذا هو المتضرر الآخر من القرار، المواطن الذي يحتاج إلى الوصول للمدينة وأسواقها أو إداراتها، فقد وقع في أزمة البحث عن وسيلة أخرى.
أما طلاب الجامعات الذين يعدون بعشرات الآلاف في جرمانا، فإنهم لم ينتبهوا بعد إلى ما ينتظرهم من عراقيل وكيفية تأمين وسيلة النقل، وهذه الأزمة ستظهر مفاعيلها مع بداية الدوام في العام الدراسي القادم، مع أنهم الآن «سيدبرون رأسهم» في شهر الامتحانات كيفما كان.
من المسؤول عن اتخاذ قرار كهذا؟! هل هو من محافظة دمشق لمنع سرافيس الريف من الدخول للمدينة؟ أم من إدارات المرور المعنية بحل أزمة النقل؟
إلى متى ستبقى القرارات الاقتصادية ذات المحتوى الاجتماعي خاضعة للأهواء وتحابي التجار والمتنفذين وحيتان المال، وغير مستندة إلى دراسات ذات جدوى اجتماعية واقتصادية؟! وهل من المنطق حل المشكلة البيئية وأزمة المرور بخلق أزمات جديدة ومشكلات اقتصادية واجتماعية؟ أم أنه كرمى لعيون التجار تهون كل الأزمات؟!!
يجب العودة عن هذا القرار، واتخاذ قرار مدروس لما يحقق حاجات المواطنين، أو على الأقل إعادة الموقف الأخير لسرافيس (جرمانا ـ برامكة) إلى منطقة الفحّامة عند السكة القديمة للقطارات، فهذا المكان يحقق كلتا الحاجتين معاً: يوصل المواطن لأقرب نقطة من مقصده في الوصول إلى مفاصل في المدينة المختلفة، والأمر الأهم أنه كان لا يشكل عبئاً أو ضغطاً على حركة المرور في مسار السرفيس المتخذ.