قول وفعل!
يُعرف «القبضاي» بعباراته وأفعاله وغيرته، عبارات تجد فيها القوة والرفعة، وأفعالاً ترى فيها الخير ومحاربة الشر، وغيرة على الأخلاق والمحارم.
شيخ من بقايا «القبضايات» يتردد عليّ كل حين، يقص عليّ من أمجاد الماضي، ويتحسر على هذا الزمان وأهله.
حدثني منذ مدة عن جارٍ له لديه محل لبيع الأقراص، من أفلامٍ وأغانٍ، وما شابه، وكم كان هذا المكان يعجُّ بالشباب اللاهث وراء التقنيات الحديثة.. إلا أن صاعقة حلّت برأسه حين رأى تلك الأقراص عليها صور لفتيات عاريات، وأن الشبان أولئك لم يكونوا سوى بحاثة عن «الرواق».
وبغيرته المعهودة وبأفعاله الطيبة وكلامه الجزل، لام هذا «القبضاي» جاره صاحب المحل عن بيعه مثل تلك الأفلام، وشدد عليه، إلا أن الأخير تململ وتعذّر.
يحدثني بعد ذلك أنه دخل عليه فلم يجد تلك الأفلام، فاستفسر منه، أعدت لرشدك؟ لا! ولكن لسبب أو لآخر، فإن الدوريات ضاجّة هذه الآونة، تلاحق وتصادر وتمنع، لم يبق لدى أيٍّ من المحلات أي قرص مشبوه، يقول البائع!
هنا انفرجت أسارير «القبضاي»، وما لم يستطع فعله هو ـ لأن عصر «القبضايات» انتهى ـ فعله رجال الدوريات، وأنعم بهم..، لكن حين لاحظ البائع فرحه، هزئ قائلاً: «كلها أسبوع وتعود المياه إلى مجاريها».
طلبت من الشيخ «القبضاي» أن يترصد جاره، ويرى هل ستعود الحال إلى سابقها حقاً، أم أن جاره يهذر هذراً.
ولقد دخل عليّ منذ أيام صارخاً، بصوته الرخيم: قول وفعل، قول وفعل!!
لقد كان جاره صادقاً في حدسه، بل لعله لم يكن حدساً، فالتجربة العملية، والاحتكاك مع بعض الجهات، يوضح أنهم يدفعون إلى عملهم دفعاً، ويجرون إلى مهامهم قسراً، فالمهربون يحاربون فترة ثم يتركون، و«لاطشو» الكهرباء يخالفون فترة ثم يتركون، وبائعو الممنوعات مثلهم، والمدخنون «شرحهم» و.. و..
جنّ جنون «القبضاي»، أينتصر بائع الأقراص؟ أشترى الدورية؟ ألا يجب أن يعودوا ليتفقدوا الوضع؟ من الذي أرسلهم؟ ومن الذي أوقفهم؟ إلى متى سيبقى المخربون بلا رادع؟...
أسئلة كثيرة طرحها عليّ لم أجد لها جواباً، بل أنا نفسي تساءلت: أيعقل أن يكون صاحب محل الأقراص «قول وفعل» وأن يكون معظم ـ مَن تعرفون ـ قول بلا فعل!
محمد عصام زغلول
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.