«شياطين التجارة» وراء أزمة القطن المصري
اتهم الدكتور عادل عبدالعظيم، مدير معهد بحوث القطن، بعض التجار بإفساد منظومة القطن بسبب خلطهم الأصناف، ما تسبب فى خفض الإنتاجية وقلة المساحات المزروعة، مشيراً إلى أن القطن المصري مر بمنعطفات خطيرة أصعبها فى عام 2014 عندما خرجت مصر من السوق العالمية.
وأكد عبدالعظيم، فى حواره مع «المصري اليوم» ارتفاع نسبة المساحات المزروعة من القطن المصري هذا العام بنسبة 20%، بصفات جودة عالية، لافتاً إلى أن الطلب العالمي يتزايد عليه من جديد، وأن قطن «بيما» الأمريكي ينافس طبقة محددة من القطن المصري وليس الأعلى جودة.
وإلى الحوار:
ما ردك حول تقرير الجهاز المركزى والإحصاء حول انخفاض صادرات القطن المصرى فى الربع الثالث من عامى 2015-2016؟
مصر خرجت من السوق العالمية فى عام 2014، وانخفضت المساحة المنزرعة من القطن بشكل كبير فى عام 2016، ووصلت المساحة المنزرعة 130 ألف فدان، وتعتبر أقل مساحة منزرعة من القطن منذ أيام محمد على، وهو ما ترتب عليه انخفاض الإنتاجية والصادرات، كذلك المنتجات السنوية من الأعلاف والزيوت النباتية.
إلا أن العام الحالي ارتفعت المساحات المنزرعة بنسبة 20% حتى نهاية الشهر الماضي، ووصلت الزيادة فى الصادرات 20% من القطن المصري، وهناك أكثر من 20 دولة تطلب القطن المصري، والمزارعون أكدوا أفضلية الإنتاجية هذا العام عن السنوات السابقة.
ما الأسباب التى أدت إلى تدهور محصول القطن؟
القطن في مصر مر بمنعطفات خطيرة كانت السبب الرئيسي فى انخفاض المساحات المنزرعة منه، ومن الممكن تقسيمها إلى عدة مراحل، المرحلة الأولى ما قبل 1994، والمرحلة الثانية تبدأ من عام 1994 وحتى 2014، أما المرحلة الثالثة بداية من عام 2015.
نبدأ من المرحلة الأولى وهي ما قبل عام 1994، كان القطن يزرع ويجُنى ويسوق ويحلج تحت الإشراف الكامل للدولة، وكان المزارع مطمئناً لأنه على علم من أن الدولة ستشترى منه القطن في نهاية الموسم، فكان حريصاً على زراعة مساحات كبيرة من القطن، وبناءً عليه كنا نزرع مليون فدان على الأقل، ننتج منها 6 ملايين قنطار قطن يتصدر منهم 2.5 مليون قنطار ونصنع الباقي في مغازلنا المحلية، ولم يكن هنالك استيراد قطن نهائي من الخارج وجميع المغازل المحلية تعتمد على القطن المصري بشكل كامل، وكان هنالك خريطة صنفية تعدها وزارة الزراعة بالاشتراك مع بحوث القطن بخصوص زرع أصناف معينة خاصة بالتصدير، وأخرى مخصصة للمغازل المحلية.
المرحلة الثانية هي الفترة من 1994 وحتى 2014، حيث صدر قانون 210 لسنة 94 الخاص بتحرير تجارة القطن، والذي يتيح للقطاع الخاص والتجار الحرية الكاملة لشراء القطن من المنتج وتسويقه، وهنا حدثت مجموعة من الكوارث دمرت القطن المصري، لأن القطن لم يعد تحت إشراف الدولة وحدث خلط بين أصناف قطن التصدير الذى يتميز وقطن المغازل المحلية الأقل جودة، بسبب رغبة التجار في الكسب السريع وغير المشروع.
المرحلة الثالثة بداية من عام 2015، وهي المرحلة التي أصدرت وزارة الزراعة القانون رقم 4 لسنة 2015 لمواجهة التاجر وسحب قطن «الإكثار» من تحت يده، وهو القطن الذى نحصل منه على البذرة، وتنتج التقاوى حتى نزرعها العام القادم، ويشغل «الإكثار» مساحات بسيطة تمثل 20% من مساحة القطن المنزرعة، وهو تحت الولاية الكاملة لأجهزة الدولة متمثلة في وزارة الزراعة، ومعهد بحوث القطن، الإدارة المركزية لإنتاج التقاوى، وصندوق تحسين الأقطان.
ولكن مازال المزارع يعانى من احتكار لمحصول القطن.. ما تعليقكم؟
القطن ليس محصول حبوب مثل القمح أو الذرة أو الأرز، من الممكن تخزينه لفترة لحين ارتفاع السعر وحدوث توازن بين السعر والطلب، أو الاستفادة به في استهلاك بيته، وإنما القطن يمثل «هم تقيل» عند المزارع يريد التخلص منه في أسرع وقت، ولذلك يبيعه للتاجر المستعد للشراء في الحال، خاصة أن تكلفة زراعة وجنى محصول القطن مرتفعة والمزارع رجل بسيط لا يمتلك نفقات لتدبير تكاليف المحاصيل القادمة، لذلك يقع فريسة سهلة للتاجر.
هل تتهم التاجر بإفساد منظومة القطن؟
بالطبع التاجر أفسد منظومة القطن، وخلط بين القطن الأعلى جودة وأعلى سعراً والقطن الأقل جودة والأقل سعراً، واستغل تقارب اللون بينهما، بهدف الكسب السريع وغير المشروع، ففارق السعر بين قطن التصدير والمحلى يصل إلى 700 جنيه في القنطار الواحد، ولكن عامل الغزل والعميل الأجنبي وحدهما يستطيعان التفرقة بين قطن التصدير والمحلي، من خلال جهاز «hvi» الذي يحدد صفات الجودة بمجرد دخول عينة شعر بداخله، ويحدد صفات القطن بصورة دقيقة للغاية، من خلال طول التيلة والمتانة والنعومة، وعند كشفه التلاعب فى العينة المطلوبة يرفض العميل الأجنبي استكمال عملية البيع، وترجع شحنة القطن بعد ما تم شحنها، وهو ما يشكل تكلفة باهظة إضافة إلى تشويه سمعة القطن المصري في الخارج.
كيف يمكن أن تعود الثقة مرة أخرى بين الدولة والمزارع؟
الدولة حددت سعر ضمان القطن 2100 جنيه للصعيد و2300 للوجه البحري قبل بداية الموسم، من أجل تشجيع المزارع على الزراعة وطمأنة قلبه على محصوله، بجانب الندوات الإرشادية، حتى ترجع الثقة مرة أخرى للمزارعين، خاصة بعدما فقدها بسبب خلط الأصناف، الأمر الذي تسبب فى قلة الإنتاجية وحدوث تشوه للمحصول، مما نتج عنه حدوث أزمة نفسية عند المزارع وامتنع عن زراعة القطن.