تعددت الأسماء وباب الفساد واحد: إنها الرشوة!
ما زال الكثير من خبرائنا و«ممثلينا» الاقتصاديين الرسميين يحاولون إقناعنا بأننا نعيش أسعد وأفضل أيامنا في ظل تطور اقتصادي محقق انعكست ثماره الإيجابية على المواطن السوري عامةً وعلى الموظف بوجه خاص، يحاولون إقناعنا بهذا ودفعنا لنسيان تلك الآفة التي أنتجتها الأوضاع الاقتصادية فتفشت مثل الورم السرطاني في كل الدوائر الحكومية وصولاً إلى تكريسها «مفتاحاً» لمعاملات المواطنين؛ وهي بكل تأكيد.. الرشوة.
مصطلحات جديدة بتنا نسمعها بكثرة وتتردد على مسامعنا محاولةً تقريب الرشوة إلى القلوب على أنها «بقشيش، تحلاية، ثمن فنجان قهوة، إكرامية، خرج ناشف»، وعملياً بات من المعروف أن مروجي هذه الكلمات هم أنفسهم الذين يملكون مفاتيح المؤسسات وعندهم حل الأحجيات في المعاملات المستعصية ولكن بشرط توفر «الإكرامية»!.
وبطبيعة الحال، كلما كانت الإكرامية كبيرة زادت قدرتها على كسر حواجز الروتين والتسلسل الوظيفي حيث يمكن أن يبدأ المرء معاملته بالمقلوب تبعاً للثمن الذي دفعه لتحقيق ذلك، ولكن، أياً كانت المصطلحات ومهما تغيرت نعوتها، فهي في المعنى الأخير واحدة، وتصب جميعها في نهاية المطاف بنهر واحد واسم واحد هو الرشوة!.
من المعروف أن مفهوم الإكرامية المتعارف عليه يعني ذلك المبلغ الذي يدفعه المرء عن طيب خاطر لمن يقدم له خدمة معينة، مثل (عمال العتالة في سوق الهال، ومرتبي الغرف في الفنادق، وعمال الأراكيل في المقاهي..الخ) أما في الجهات العامة والمؤسسات الحكومية فالإكرامية مستهجنة وغير لائقة، ولكن غياب الرقابة الحكومية أو ترويجها بشكل غير مباشر لهذه الآفة يساهم باستشرائها أكثر فأكثر، والترويج هنا يتم عبر تكريس واقع البيروقراطية والروتين وإطالة السلسة الوظيفية المسؤولة عن تسيير المعاملات في الدوائر الحكومية، وقد أدى تهاون الجهات المعنية بهذه الظاهرة إلى تقبلها من البعض على اعتبارها إكرامية ولكن واجبة الدفع!.
بكل تأكيد هناك أسباب اجتماعية مهمة وعناصر اقتصادية جعلت من الرشوة تجسيداً صغيراً لواقع الفساد الكبير المستشري في الدوائر الحكومية، فالموظف الصغير لا يمكن أن يقدم على هكذا خطوة إذا لم يكن محمياً من الموظف الكبير الذي يضعه بالمواجهة، وكلاهما شركاء في هذه الكعكة مما يجعل ردع هذه الظاهرة أكثر صعوبة، لأن الصلاحيات والمسؤوليات متداخلة ومتشابكة وخاصة في المجال التنفيذي للدائرة الواحدة، وأحد أوجه الحل قد يكون تفعيل الحكومة الإلكترونية والنوافذ الواحدة التي تتغنى بها الإدارة المحلية منذ سنوات، ولكن المشكلة أكبر من أن تحل دون إجراء تغيير جوهري في عقلية الإدارة في المؤسسات الحكومية، كما يتطلب التخلص من هذه الآفة تفعيل آليات المحاسبة ضد المتورطين- كبيرهم قبل صغيرهم- لإنزال أشد العقوبات بحقهم أمام الملأ.