هل تستطيع الحكومة الحالية حلها؟ في خوارزميات حكومة عطري كان السكن مسألة معقدة!
أطلقت الحكومة السابقة على حكومة عطري عام 2002 مشروع بناء السكن الشبابي الذي من المفروض أن يلبي متطلبات الكثير من الشباب، ويساهم في توطيد أواصر العلاقة بين المواطن والدولة، وتُعد مشكلة السكن الأبرز والأخطر التي تواجه الشباب، وذلك طبعاً بعد مطلب الحصول على عمل يكفل لهم حياة كريمة، فالعمل والسكن هما حقان أساسيان مشروعان في وطن يحترم مواطنيه.
جاءت هذه الخطوة كمشروع للحد من هذه ظاهرة السكن العشوائي، وخطوة نحو الأمام في الإصلاح الاجتماعي، وحيث أن مشكلة السكن تتبوأ مرتبة هامة على سلم الحاجيات البشرية، فهي تعتبر بالنسبة للشباب السوري حلماً بعيد المنال بامتلاك منزل يتمتع بمواصفات لا بأس بها، وتكلفة منخفضة يستطيع دفعها. ولكن المصيبة جاءت ضربة قاصمة للمواطنين في عام 2003 حينما بُشِّرت سورية بحكومة عطري (حكومة اللّبرلة والسوق المفتوحة) التي عرفناها بتشربها للأفكار والسياسات والممارسات الساعية للقضاء على أحلام الملايين من الشباب السوري، وخصوصاً تحول البلاد نحو شرعنة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، وتفاقم الغلاء وصعوبة المعيشة، ورافق كل ذلك تدليسٌ بالكلام المعسول والتسويف الواهم. فالشباب الذين انتظروا تحقيق بعض أحلامهم، حاولت حكومة عطري الوقوف بالمرصاد لهذه الأحلام، وإن استُكمِلت بعض تجمعات المشروع المطروح، فإنه لم يحقق فائدته ولم تستفد منه فئات الشباب ذوي الدخل المحدود، هذا إن وُجِد الدخل أصلاً، بل تم تجييره لمصلحة متنفذين تعلو مصلحتهم على مصلحة الوطن وأبناء الوطن الواحد، ليستولوا على هذه المساكن ثم يتحكموا بأسعارها وبيعها، ودفع سعرها لصندوق الدولة بالتقسيط، ونذكّر بأن الفائدة المحتسبة وقتها كانت مقررة بـ %5 ولمدة 25 عاماً.
اليوم يتوجه الكثير من الشباب السوريين إلى الحكومة الجديدة، التي لا يرجون أن تسير على نهج سابقتها، يناشدونها لحل مشكلة السكن للشريحة الأكبر والأوسع في المجتمع من ذوي الدخل المحدود، وبناء سكن اقتصادي يلبي حاجاتهم بعيداً عن أماكن العشوائيات التي ازدادت في زمن حكومة الضرائب حين فرضت مبالغ طائلة للحصول على رخص بناء، وفرضت ضرائب يعجز الدخل عن تحملها وتسديدها، الأمر الذي أثر بدوره على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، وساهم في ازدياد هجرة المواطنين وتدفقهم كنازحين من الريف إلى المدن الكبرى، وتوسيع رقعة المساكن العشوائية، وغلاء العقارات بشكل فاحش ومجنون.
يتطلع الشباب السوري اليوم إلى إنشاء صندوق لدعم القروض السكنية، في ظل سيادة غلاء الأسعار وصعوبة الحياة المعيشية اليومية، حيث تزداد الحاجة في سورية لبناء الآلاف من المساكن الجيدة، المبنية ضمن رقابة وإشراف منضبطَين من أناس يتمتعون بحس وطني وضمير حاضر، وهذا المطلب جاء نتيجة لما سُلِّم من شقق سابقة في الضواحي سيطر عليها إهمال متعهدي البناء وعدم مراقبة المؤسسات للسكن الذي يقدمونه، ووجود مساكن ليست بالمستوى المطلوب الذي كان يرجوه المسجلون، وخاصةً على صعيد الإكساء الداخلي للمنزل المستلَم، أو من ناحية تخديم الطرقات والأرصفة والأمور الخدمية الأخرى مثل عدم تأمين مياه الشرب، وهذه الظاهرة تجعل من المساكن الحضارية التي نتمناها أشبه بمناطق العشوائيات.
وفي سياق الحديث عن السكن والقروض ودور الدولة، لا بد من الإشارة إلى قضية أخرى يعانيها المواطنون مع المؤسسات والجمعيات التعاونية السكنية، وهي قضية مدة التسليم حيث نرى أن المنازل يسجل عليها الآباء وتُسلَّم للأحفاد، وخصوصاً السكن الذي تقوم به مؤسسة الإسكان، وهذه مشكلة قديمة جداً وهي تقف عائقاً في إيجاد مشاريع سكنية جديدة، حيث أن عدد السكان طالبي السكن في تزايد كبير، وخصوصاً الشباب.
إذاً على الحكومة الجديدة، وتحديداً وزيرة الإسكان، العمل من أجل تأمين مسكن يليق بالشباب السوري ويساعد على استقرارهم ويكفل لهم حياة كريمة في وطنهم، من خلال بناء وحدات سكنية بأسعار اقتصادية وبفترات زمنية قصيرة، تكفلها الدولة عن طريق مؤسساتها، ومن ثم العمل على إنشاء صندوق يدعم القروض السكنية بفوائد شبه معدومة، وذلك ليلتئم الجرح السوري النازف، وكخطوة في سبيل الإصلاح الاقتصادي المطلوب للخروج من التوتر الذي يسيطر على المشهد السياسي التي تشهده البلاد.