قوانين حقيقية.. أم قوانين جائرة..؟
العبرة في إصدار القوانين أم بمن ينفذها وطريقة تنفيذها..!؟
من يسن القانون.. ومن يصدره.. الشعب لا رأي له..؟!
في البداية إن أية برامج أو خطط أو قوانين وقرارات أو حتى دساتير يجب أن تكون في مصلحة الشعب وليس في مصلحة القوى المهيمنة.. وإلا ستكون مصدراً للظلم والنهب والفساد وبؤرة للتوتر والانفجار.. فكيف إذا كان من يسنها أو يصدرها لم يختره الشعب برغبته سواء من الوزراء أو النواب في مجلس الشعب وكذلك أي منها مهما كان جيداً فالعبرة ليس في ذلك وإنما العبرة في طريقة تنفيذها.. ومن ينفذها وعلى سبيل المثال قبل الدستور «المخضرم» وبعده القانون /50/ أوقف العمل بأغلب جوانبه المالية المتعلقة بحقوق العاملين في الدولة. وكذلك عدم تنفيذ الأحكام القضائية العمالية التي تعيد للعمال حقوقهم المغتصبة.
أما قانون مكافحة الإرهاب والذي صدر بموافقة مجلس الشعب الجديد وفي ظل الدستور الجديد.. وجرى تمريره بصورة مستعجلة فإنه فتح الباب أمام قوى القمع والفساد باعتبار كل المواطنين متهمين حتى وإن ثبتت براءتهم.. من خلال مواد وضعت مبهمة عن عمد أو عن غير عمد..
هكذا كانت القوانين السابقة التي صنعت في مرحلة الاستقرار انتقصت من حقوق المواطنين وبعضها منذ الخمسينيات بل ومنذ الاستعمار الفرنسي بل بعضها الآخر يمتد إلى أكثر من 1400 سنة وخاصة المتعلقة بالأسرة والأحوال المدينة.. أي أنها أكل الدهر عليها وشرب فكيف ستكون القوانين في المرحلة الحالية.. المرحلة الانتقالية المضطربة وظروف الأزمة.. وخاصة في غياب مشاركة حقيقية وفي غياب قوى واعية.. تحقق عقداً اجتماعياً يؤمن الوحدة والاستقرار..؟ وكذلك في غياب مؤسسات حقيقية تنبع من الشعب وتعمل للشعب؟
من هذه المقدمة ندخل إلى ثلاثة قوانين مطروحة الآن أمام مجلس الشعب والدستور الجديد نص على تغيير القوانين وفقه في مدةٍ أقصاها 3 سنوات يقول المثل: أول الغيث قطرة ومن أول القوانين كان قانون مكافحة الإرهاب فكيف ستكون القوانين الجديدة.
أول هذه القوانين التي سنناقشها على الأقل وفق رؤية مواطن وليس كمختص هو قانون إحداث هيئة مكافحة الفساد وآلية عملها ونظامها.
والتوجه لإصدار هذا القانون وإحداث هذه الهيئة يعني إقراراً أن حجم الفساد أصبح كبيراً وبات يحتاج إلى مكافحة ويتطلب إصدار قانون خاص به.. بينما سبق أن تقدمنا لإنشاء جمعية لمكافحة الفساد ورفض طلبنا. في الشكل:
سبق أن أكدنا أن هذه الحكومة.. وهذا المجلس ليسا نابعين من مشاركة حقيقية للشعب وبالتالي هما غير مؤهلين لإصدار القوانين.. وحتى الدستور المخضرم وإن حصل فيه تقدم عن السابق إلا أنه يمثل مرحلة انتقالية.. لذا يجب تحديد ذلك..
يجب أن يتم المصادقة على أعضاء المجلس الأعلى للهيئة من الهيئة التشريعية وليس إقرارهم من الحكومة لضمان على الأقل أوسع مشاركة ممكنة.
في المضمون
المادة /2/: تؤكد أن الهيئة ترتبط بمجلس الوزراء، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري فقط وهذا تناقض واضح. فكيف تكون لها شخصية اعتبارية وترتبط بمجلس الوزراء.. يجب أن يكون لها استقلال كسلطة كما القضاء.. وإلا ستخضع لهيمنة السلطة التنفيذية.
المادة /6/: تحدد اختصاصات الهيئة في ستة.. والفقرة الخامسة منها تتعلق بالقطاع الخاص «المؤسسات والمنشآت الخاصة التي يكون لها علاقة أو تأثير في التربية والتعليم أو الصحة العامة هنا نتساءل وبقية المؤسسات والمنشآت الخاصة المتعلقة بالزراعة والصناعة والمصارف والسياحة والتجارة وغيرها..
والمعروف أن الفساد في هذه القطاعات أكثر تأثيراً واتساعاً.. ويؤثر على الإنتاج والاقتصاد ككل وهذه القطاعات هي الأكثر خصخصة من القطاعات المذكورة .لاشك أن ذلك لمصلحة قوى الهيمنة والفساد.. لأن الفساد الكبير يتمركز فيها..»
في الفقرة /ب/ من المادة ذاتها. تستثني:
شؤون التسليح والتنظيم والإعداد لكل من وزارة الدفاع وقوى الأمن الداخلي في وزارة الداخلية.
القضاء العادي والإداري والعقاري وما يدخل في مهام إدارة التفتيش القضائي..
لاشك أننا حريصون على كل ما يتعلق بأمن الوطن لكن هذا الاستثناء يمنح غطاء للصفقات المشبوهة والممارسات الخفية وخاصة أن كثيراً من الصفقات السابقة كان الفساد فيها متغلغلاً.. ويبرز ذلك من خلال مظاهر الغنى التي يتمتع بها قادة سابقون معروفون.
أما ما يتعلق بالقضاء الإداري والعادي والعقاري.. وخاصة أن جوانب كثيرة في ذلك كانت سبباً أساساً في جوانب الأزمة ومنها قضية الاستملاكات... وقضايا التحديد والتحرير.. فلماذا هذا الاستثناء؟!
المادة /14/ الفقرة/د/:
يجوز للهيئة في كل وقت العدول عن قرار منع التصرف أو تعديله متي رأت موجباً لذلك لاشك أن العودة عن الخطأ فضيلة.. لكن ما هي ضوابط هذا الموجب.. والذي جاء مطلقاً وفي كل وقت.؟!
المادة /16/:
للهيئة بالتنسيق والتعاون مع الأجهزة المعنية جمع الأدلة والمعلومات وهنا نتساءل من هي هذه الأجهزة المعنية المطلقة.. والتي يدخل في ضمنها حتماً بعض الأجهزة الأمنية الفاسدة والتي لا تخضع لأية رقابة.. .. يجب تحديد ذلك بوزارة الداخلية.
المادة /23/: شروط عضوية المجلس.
الفقرة /4/ أن يكون غير محكوم بجناية أو جنحة مخلة بالثقة وغير مصروف من الخدمة أو مسرح تأديبياً أو معزول أو مطرود منها، ولو رد إليه اعتباره.
فالمواطن الذي اتهم وهو بريء وحصل على حكم بذلك ورد إليه اعتباره يبقى متهماً وغير نزيه.. ونحن نعرف أن الكثيرين اتهموا زوراً وبهتاناً.. فلماذا ذلك؟
وأخيراً هذه أمثلة عما يوجد في قانون إحداث الهيئة.. ولعل التساؤل الأهم لماذا لا يكون لهذه الهيئة مفعول رجعي بتناول قضايا الفساد السابقة.. وما مصير المئات أو الآلاف من ملفات الفساد في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وهي غيض من فيض الفساد الذي أهلك البلاد والعباد..
وستكون لنا وقفة أخرى مع قانون الاستملاك وقانون الكسب غير المشروع وهما لا يقلّان أهمية عن سابقهما.