خسائر القطاع الزراعي تفوق 1.8 مليار دولار!!

على الرغم من أن القطاع الزراعي يعد أحد ركائز ودعائم الاقتصاد الوطني لما لهذا القطاع من أهمية إستراتيجية واعتبارات وطنية وضرورات ومتطلبات اقتصادية واجتماعية. وعلى الرغم من إن الحكومة تدعي إنها عملت على إعادة رسم السياسات والإستراتيجيات الزراعية بهدف الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة والانتقال من مفهوم الاكتفاء الذاتي إلى مفهوم الأمن الغذائي، والتفكير الجدي في مدى تحقيق مفهوم الأمن الغذائي الذي كنا نتباهى به حتى الأمس القريب حين كانت الدول تحسد سورية على الزراعة التي كانت أحد أهم عوامل الصمود الوطني، وترجمة كل هذه السياسات على أرض الواقع، فإن ما يعانيه هذا القطاع في هذا الوقت بعد خفض نسب الكميات المزروعة بأرقام مخيفة يعد بمثابة إنذار يدق ناقوس الخطر بما لهذه الكلمة من معنى، مما يتحتم علينا إيجاد الحلول الناجعة لمعالجتها وتقليل من آثارها والحد من أضرارها قبل فوات الأوان.

إن المسألة الزراعية والإنتاجية أصبحت قضية في غاية من الأهمية والخطورة، بعد أن دخلت الدورة الزراعية في النفق المجهول، ولم نعد نستطيع توقع استمرار هذه الدورة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسات والإستراتيجيات الزراعية من جهة، وفي ظل الظروف والتبدلات المناخية والطبيعية والحصار الاقتصادي والعقوبات بسبب الأزمة من جهة أخرى.

إن هذه المخاوف ومن دون شك تتطلب الإسراع ودون أي تأخير، بإعادة النظر كلياً بالخطط المتعلقة بالبحوث الزراعية وتأمين كافة المتطلبات الزراعية للفلاحين وتوفير الدعم والتمويل اللازم لها، والعمل سريعاً لإقامة شبكات الري والسدود الحديثة، وتنفيذ المشروعات المائية الملائمة لكل محافظة على حدا، والتحول إلى الري الحديث الممنهج والمدروس، ودعم المنتجات الزراعية، لكن وفي حال بقيت هذه العقوبات على وضعها ألا يعني هذا تحدياً أمام الحكومة؟ أليس المطلوب منها التفكير جدياً بإيجاد البديل المؤمن لتأمين الكميات المطلوبة للاستهلاك البشري سواء فيما يتعلق بالقمح أو الطحين؟ أن هذا يذكرنا حين كنا نلّح على الحكومة بأن يكون من أولى مهماتها العمل على تنويع الإنتاج الزراعي وتحسين نوعيته، لا الاكتفاء بأنواع أكدت التجارب فشل زراعتها، وبالتالي استنباط أصناف زراعية قادرة على التكيف مع الشروط البيئية والتبدلات المناخية حسب الدورة الاقتصادية للمنطقة الزراعية والمحافظة المعنية لإعادة التوازن لها.

لقد كان لافتاً التقديرات التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الغذاء العالمي حين أكدت أن الأزمة التي تعيشها سورية كبدت قطاعها الزراعي خسائر تفوق 1.8 مليار دولار خلال الأحداث الراهنة، وتتضمن أضراراً وخسائر في المحاصيل والماشية وأنظمة الري، مشيرة أن المواد الاستراتيجية كالقمح والشعير وزيت الزيتون والمنتجات النباتية تضررت بشدة، مما يعني انعكاس الضرر على الفلاحين والفئات الفقيرة أكثر.

وأوضح التقرير الصادر عنهما أن الكثير من سكان الأرياف في سورية فقدوا جزئياً أو كلياً مصدر رزقهم الممثل في الزراعة وتربية الماشية، ويحتاج قرابة مليون ليرة سورية محاصيل ومساعدات خاصة بتربية المواشي مثل البذور والوقود وعلف الحيوانات، وأضافت المنظمتان أن واحداً من كل ثلاثة سوريين يعيشون بالريف يحتاج لمساعدة. وقد اضطر المزارعون إلى ترك أراضيهم أو العجز عن رعايتها بفعل غياب عوامل الإنتاج، كما أن نقص الوقود وارتفاع أسعاره والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي قلص كثيراً من حجم إمدادات المياه المتوفرة. أيٌ مصير مجهول هذا حين تكون الجزيرة الخضراء مدينة الزراعة بلا خبز؟؟!!.

إن الحلول الاسعافية، ولو أنها تسند لبعض الشيء لم تعد كافية، وبتنا بحاجة لاستثمارات مالية ضخمة خاصة للقطاعي الزراعة والري، وخطط وموازنات سنوية ملموسة على الأرض لا بالمؤتمرات والخطابات فقط رغم احترامنا للنقاشات التي دارت قبل أيام في مؤتمر نقابة التنمية الزراعية بدمشق، والتي أصابت بعضها في الصميم، حيث بدا واضحاً التراجع الملحوظ في مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي باعتباره أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني.

فهل تتعظ الحكومة من تجارب سابقاتها، أم أن الحبل سيبقى على الجرار وتقع في الممنوع؟!.