مريض نخب رابع وآخر نخب ممتاز!
الفرز الطبقي في مجتمعنا يفقأ العين، ولم يعد دور الحكومة على مستوى زيادة وتعزيز هذا الفرز خافياً، كما لم يعد مبطناً أو مغلفاً، على الرغم من استمرار التغني بـ«مصلحة المواطن» عند كل مستجد (قانون، قرار، تعليمات، جلسات نوعية، توجهات، وغيرها) والتي تنعكس بالمزيد من الإفقار الذي يطال هذا المواطن، في مقابل المزيد من الغنى لطبقة الأثرياء بالمحصلة.
ما رشح، عبر وسائل الإعلام، عن رؤية وزير الصحة التمييزية حول درجات التأمين وربطها بالفئات الوظيفية للعاملين، في «الاجتماع النوعي» الذي جرى بتاريخ 27/9/2017 حول قطاع التأمين الصحي، يمكن اعتباره واحداً من المؤشرات الصغيرة الظاهرة رسمياً على مستوى الفرز الطبقي الجاري، والمزيد من تعزيزه.
كان الغائب الوحيد في هذا الاجتماع المشار إليه أعلاه - وكما هي العادة في مثل هذه الاجتماعات- هو المواطن صاحب المصلحة الحقيقية من قطاع التأمين الصحي، بينما كانت الحكومة حاضرة، عبر رئيسها وبعض الوزراء، كما شركات التأمين، بالإضافة إلى نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ونقابة أطباء الأسنان، وكل من هذه الجهات كانت حاضرة من أجل الدفاع عن مصالحها وتقديم رؤيتها.
لن نغوص بمتاهة مجريات الجلسة، وما تمخض عنها من ضرورة تشكيل مجالس وهيئات وجهات جديدة، إدارية ورقابية وإشرافية على هذا القطاع، مع الكثير من العبارات عن «الإصلاح» و«محاربة الفساد»، وغيرها من مفردات اللغة «الحماسية والوطنية»، لكن من المقدمات يمكن استخلاص النتائج.
فغياب المواطن ومصلحته تعتبر المقدمة الكافية التي تفتح المجال للمزيد من الفرز الطبقي على حسابه، والتي كانت إحدى مؤشراتها ما طرحه وزير الصحة علناً، بحيث يتم التمييز بين المرضى المؤمَّن عليهم على أساس مريض نخب رابع ومريض نخب ممتاز، على مستوى ما يمكن أن يقدم لهذا أو ذاك من خدمات لقاء اشتراكهم بالتأمين الصحي، هكذا..!
وبغض النظر عما رشح أيضاً من ردود في مواجهة هذه الرؤية، أو الحديث عن التباساتها، إلا أن واقع الحال أصلاً يقول بأن التعامل مع المؤمَّن عليهم قائم على أساس الفرز الطبقي، فهذا وزير وذاك مدير والآخر عامل عادي، ناهيك عن كل الأساليب الأخرى المعززة لذلك الفرز عبر الوساطات والمحسوبيات والولاءات وأوجه الفساد العديدة، ليس على مستوى الخدمات الصحية فقط، بل على مستوى كافة الخدمات الأخرى.
والفرز الأشد والأكثر عمقاً هو ما تتمخض عنه الاجتماعات والقرارات والتشريعات والقوانين، التي تحابي مصالح طبقة الأغنياء على حساب البقية الباقية من طبقات وشرائح اجتماعية، وهي ما تعبر عنه كل مفرزات السياسات الليبرالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة.
فمدير عام هيئة الإشراف على التأمين، خلال الاجتماع، رأى ضرورة توحيد التعرفة الطبية مع التأمينية وضرورة تحمل المواطن جزء من الخسارة التي تتعرض لها المؤسسة العامة السورية للتأمين..!
أما رئيس الحكومة فقد ربط الخدمات النوعية بدخل الموظفين، حيث قال أن «الحكومة مصممة على جعل قطاع التأمين عنواناً مهماً من عناوين القوة الاقتصادية والارتقاء به لتقديم «خدمات نوعية» لموظفي الدولة بما «يناسب دخلهم» ويساهم في تخفيف أعباء الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها».
ونتساءل: في ظل واقع تدني الأجور وتجميدها وتدهورها، ترى ما هي تلك «الخدمات النوعية» التي ستتناسب مع هذا «الدخل» في النتيجة؟
ومن أين للمواطن أن يتحمل «المزيد من الخسائر» على حساب معيشته، لقاء فساد هنا ونهب وسوء إدارة هناك؟