ضربتان تاريخيتان للصناعة الدمشقية
تلقى الاقتصاد السوري في العصر الحديث ضربات عديدة، بينها ضربتان قاصمتان أصابتا الصناعة الدمشقية، وجرى إثرهما ترحيل عدد كبير من الكوادر والخبرات الصناعية إلى خارج سورية،
كانت الضربة الأولى عندما غزا تيمورلنك في العام 1401 دمشق وقام بعد نهب المدينة بإفراغ البيوت بشكل منظم اعتماداً على قوائم (حصل عليها بمخادعة أهل دمشق بادعاء النوايا السلمية في بداية الحرب) واقتيد غالبية السكان أسرى عبيداً، بدءاَ بالحرفيين المهرة من معماريين وصياقلة، ومصنعي الفولاذ والزجاجين ومعهم أولادهم الذين تزيد أعمارهم على خمسة أعوام، وقد اقتيدوا كلهم تقريباً إلى سمرقند، وبعد السلب والنهب اشتعلت النار في المدينة ولم يبق من الجامع الأموي والأسواق والخانات سوى جدران بلا سقوف.
أما الضربة الثانية فهي ما يسمى عامياً طوشة الستين في العام 1860، التي نتجت بشكل رئيسي بعد إدخال الأنوال الميكانيكية لإنتاج الحرير التي أدخلت في العام 1850 وكانت تجربة رائدة لمكننة صناعة الحرير في سورية وأجهضت بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته مذابح 1860 حيث تعرضت دمشق إلى انهيار صناعي وتجاري كان وراءه الحكومة العثمانية والفرنسيون، وسبب هجرة أصحاب الصناعة إلى لبنان ومصر وفرنسا، وتدفق الإنتاج الأوروبي الذي غطى السوق لعدم وجود منافسين له واضطرار الدمشقيين إلى تغيير لباسهم وزيهم التقليدي الأصيل والبدء بارتداء اللباس الأوروبي. وكان الغرب والشركات الغربية المستفيد الأول من تلك الحوادث لتوطيد سيطرتها الاقتصادية والسياسية في سورية، وما تبع ذلك من ارتباط اقتصادي وتبعية شبه مطلقة للغرب الأوروبي ودخول النمط الاستهلاكي.
ومازالت رائحة الحريق الذي يفوح من الضربة الحالية الناتجة عن الحرب الدائرة اليوم تزكم أنوفنا، ولاتزال صورة معاملنا في حلب وغيرها من المناطق، وعمالنا المهرة المهجرين حية في أذهاننا، لتذكرنا يوماً بعد يوم بالبعد الاقتصادي للحروب التي نعيشها.