حوارات نقابية «ساخنة»
الحركة النقابية تاريخياً منتج وطني نشأت وتصلب عودها واشتد ساعدها بما يكفي كي تكون مكوناً سياسياً لا يمكن تجاهله أو إهماله،
وهذا التكون لم يأت بقرار أو إرادة مجموعة من المناضلين العماليين الذين أخذوا على عاتقهم مهام اللحظات الأولى لعملية تكتنفها المخاطر من كل شاكلةٍ ولون، بل جاءت العملية عبر تراكم طويل من النضالات البسيطة العفوية والجريئة، قام بها العمال لتأتي اللحظة الموضوعية المناسبة للإعلان التدريجي عن تكون الملامح الأولى لنشوء
وتبلور الحركة على أساس التقاء الحراك العمالي المتصاعد مع فكر تقدمي، لعب دوراً مهماً في بلورة رؤية الحركة النقابية الوليدة للصراع المحتدم في البلاد على الصعيد السياسي الوطني والطبقي حيث مكن هذا من جعل النقابات، يحسب حسابها في ميزان القوى المحلي ويجري الصراع عليها بين القوى السياسية المختلفة، وقد تمكنت من البقاء خارج دائرة الاستقطاب الحزبي لأي طرف من الأطراف، أي أنها حافظت على استقلالية قرارها الذي أكسبها قوة في انتزاع الكثير من الحقوق السياسية والاقتصادية والديمقراطية.
قد يقول قائل: لماذا العودة للتاريخ والأمر المفترض هو نقاش لقضايا نقابية راهنة تتعلق بواقع الحركة النقابية ودورها الوطني والطبقي في الدفاع عن الوطن والقطاع العام وحقوق العمال في ظل سيادة النهج الاقتصادي الليبرالي الذي يتعاظم دوره ونحن في أزمة وطنية عميقة تتطلب دوراً استثنائياً تلعبه الحركة النقابية في المواجهة مع تلك السياسات التي كانت إحد مكونات الأزمة؟
إن السبب لما ذكرنا أنفاً جملة من الحوارات الساخنة، تدور وتتباين فيها المواقف والآراء حول مجمل السياسات التي تأتي من خارجها، مما يجعل استقلاليتها في القرار والمواجهة مرسومةً بحدود تلك السياسات ويأتي في مقدمتها شكل ومضمون الانتخابات التي جرت ورتبت الهيكل التنظيمي للحركة من خلال استمرار العمل بالقائمة «المغلقة» التي وضعت لها المبررات المتعلقة بالأزمة، بينما الحقيقية أن هذا الشكل متبع منذ عقود وتتناغم معه أحزاب الجبهة التي لها مصلحة في الاستمرار بالعمل على أساسه، وهذا يتناقض مع برامج بعضها التي تؤكد على ضرورة أن تسود الديمقراطية النقابية في جميع المستويات. وهذا الذي جعل الحركة النقابية تكتسب وزناً حقيقياً في الصراع ضد الاستعمار الفرنسي وفي الصراع من أجل تحسين مستوى معيشتها عبر النضال من أجل زيادة الأجور ومن أجل ثماني ساعات عمل وغيرها من الحقوق والسؤال هنا: هل كانت الحركة النقابية ستحقق المكاسب التي حققتها لو كانت قابلة لما يملى عليها من خارجها دون إرادة أعضائها؟