من الذاكرة : وتتسع الدائرة
أسعدتني كثيراً مشاهدتي لفيديو غطى بشكل كامل، صوتاً وصورة، الاحتفال الذي أقامه رفاقنا في مشقيتا بمناسبة عيد الجلاء، بما تضمن من كلمات وأغانٍ وشعر، وتكريم لمن يستحق بجدارة ذاك التكريم، ومما أثار إعجابي قصيدة الشابة الرفيقة لارا ياسين، وبخاصة الأبيات التي تناجي فيها الوطن مغردة بمشاعر القلب حبا والتزاماً واستشفافاً لعودة تدفق الدم إلى شرايين سورية الحبيبة الحية رغم كل ما يدميها اليوم من ألم ونزيف، قائلة:
أنا الأُنثَى المسكوبةُ بالأبيضِ في المرايا وفي خلاياها ضوء
أَعصرُ الانتظارَ في حَضرةِ الحنينِ وأناوِرُ ضجيجيَ بِكْ بأغنيةٍ لُأهدي شفتيَّ قَطرهُ
أَتجولُ وحدي في انحناءاتِ وَاوكَ أَسرقُ ألوانَ الحكايةِ ونجمتين
أَتسلّقُ طَاءكَ السّنديانية فأقطِفُ جميعَ الاتجاهاتْ ونرجسة
أُبحِرُ لآخرِ النّون أتأرجَحُ على حافتها أُساكِنُ فَراشتها عَلَّ أَثرها يرسُمُنَا أُفقاً عاشقاً لا ينتهي.
فمتى تَعودُ أنايَ الضالة لمرقدها ويعودُ دَمُكَ لشرايينه.؟
لقد حملتني هذه القصيدة الجميلة بصدق المشاعر وجودة المعاني و الأداء الجميل، على جناح الخيال إلى زمن مضى، يقارب الستين عاماً، وأنزلتني في رحاب صالة مقهى الرشيد الصيفي على الجانب الأيمن للشارع الممتد من بوابة الصالحية إلى ساحة السبع بحرات، بوم أقام الرفاق احتفالاً حاشداً بمناسبة عيد العمال العالمي في الأول من أيار، ذاك الاحتفال الذي ضم العديد من رجالات دمشق ووجوهها الوطنية، وتناوب على منصته أربعة رفاق من قيادة الحزب ومنظمة دمشق والكادر النقابي الأول وتخللته قصيدة رائعة للشاعر الكبير الرفيق وصفي القرنفلي، صدح بها صوت الشاعر الهادر محمد الحريري ومطلعها:
سبّح الصبح باسمنا إذ رآنا
وانتشى الدرب يوم همت خطانا
وهفا برعم يسائل من يا
أم قالت أظنهم نيسانا
يومها ارتسم على صفحة الذهن سؤال مشروع: أيأتي يوم، وتشهد فيه حتى القرى البعيدة المتناثرة على مساحة الوطن الغالي، احتفالات جماهير شعبنا بأعيادها الوطنية والطبقية؟
تلك الأمنية التي صاغها- فيما بعد- شاعر وطني على شكل تساؤلات حارة:
«أفكر حيناً لمن أكتب
ومن هو هذا الذي يطرب
أيسمعني مدنف من ضنا
ويفهمني عامل متعب
وتقرأ شعري القرى النائية
ويلهيها منه ما يلهب؟
وجئتم فصرت كثيراً بكم
وسرتم فأدركت من أصاحب
وإذ بلدتي كل ساحاتها
بعمالنا مسرح يصخب
وإذ في الشوارع أغنية
هي الشعر عندي أو أعذب»
ويوماً بعد يوم.. تكبر الدائرة وتتسع.