سعد خطار
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أرسى إنهاء الصراع العسكري في إقليم ناغورني كاراباخ، والذي توسطت روسيا فيه عن طريق رعاية المفاوضات بين الجانبين الأرميني والأذربيجاني، الأساس المتين لتحولٍ جيوسياسي كبير في جنوب القوقاز. وفي حين أن دور روسيا في إنهاء الصراع العسكري والحفاظ على وقف إطلاق النار رسّخ دورها كمسؤولة عن جنوب القوقاز، فإن التطورات اللاحقة تظهر كيف تعمل كل من روسيا والصين على نزع المخلب الأمريكي من هذه المنطقة نهائياً.
لم يتفاجأ أحد بتصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رسم صورة قاتمة للولايات المتحدة إثر الأزمة الاقتصادية والصحية المتفاقمة في البلاد. فبالرغم من أنها المرة الأولى التي يعترف بها الرئيس الأمريكي بوجود هذه الأزمة علناً مؤكداً أن «البلاد تعاني» إلا أن أحداً من وسائل الإعلام السائدة لم يهتم لا بهذا التصريح، ولا بمجمل المؤشرات التي تؤكد الارتفاع غير المسبوق في مستوى تشاؤم الأمريكيين إزاء مستقبل بلادهم.
في حين انتشرت الكثير من التوقعات المبكرة بأن جو بايدن سوف «يحدث تغييراً إيجابياً» في حالة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، فقد أصبح من الواضح أن التغيير الوحيد الذي ستجلبه إدارة بايدن، في حال انتقلت السلطة إليها فعلاً، سيكون زيادة نسبية في التركيز على الجوانب العسكرية للتوترات الثنائية مع الخصوم الاستراتيجيين.
نظراً للقوة الهائلة التي تتمتع بها الصين على المستويات كافة، فإنه من الطبيعي جداً أن نرى مختلف الإدارات في الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها العسكرية، مهووسة بصعود الصين ومحاولة إبطاء هذا التغير الحاصل في الموازين الدولية لغير المصلحة الأمريكية، ولا سيما أنه يتزامن مع صعود الخصم الدائم للولايات المتحدة المتمثل بالاتحاد الروسي.
شرعت الصين منذ أكثر من عقد في بناء السياسة التي تعتمد على «اقتصاد السلام»، وهي الإستراتيجية التي انتهجتها غير متأثرة بالعدوان المستمر من جانب الغرب بقيادة الولايات المتحدة. ما فتح باب التساؤل: هل كانت هذه الطريقة الصينية الصامدة والسلمية في آن معاً هي السبب في جعل البلاد نموذجاً ناجحاً يبدع بشكلٍ مستمر، ويحتضن المزيد والمزيد من الحلفاء في طريقه؟
عندما نجحت روسيا مؤخراً في إحلال السلام بين أرمينيا وأذربيجان المتحاربتين، أحدثت صدمة في جميع مراكز الحكم الغربية، ولا سيما في فرنسا والولايات المتحدة (العضوين الآخرين في مجموعة مينسك)، حيث لفتت الانتباه إلى أن قدرة روسيا على التوسط في المفاوضات وإحلال السلام بمفردها وبسرعة يعني أنها عازمة على ضمان الأمن والسلام في جنوب القوقاز.
حاولت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهاج سياسة واضحة في التحريض وتأجيج العداء ضد روسيا والصين، وتجلى ذلك في أحيان كثيرة بتجميع العديد من القوات المسلحة بالقرب من حدود موسكو وبكين، اللتين صنفتهما الولايات المتحدة بوصفهما «خصمين إستراتيجيين»، بالإضافة إلى الأعمال الاستفزازية غير الناجحة، التي قامت بها البحرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي والرحلات الاستطلاعية شبه المستمرة للطائرات المقاتلة والقاذفات الإستراتيجية الأمريكية بالقرب من حدود خصميها الإستراتيجيين.
في السادس عشر من الشهر الجاري، تم التوقيع على واحدة من أهم الاتفاقات التجارية التي غيبتها وسائل الإعلام الغربية، وهي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP التي وقعتها 15 دولة ذات أغلبية آسيوية، باستثناء اثنتين، هما: أستراليا ونيوزيلندا، والتي تضم الدول العشر الأعضاء في مجموعة الأسيان بالإضافة إلى أستراليا والصين واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.
في السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بشكل كبير لأسبابٍ عدة، وكانت أهم محطات هذا التدهور حاضرة في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في عام 2016 التي هدفت للإطاحة بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أن تتالى الاتهامات التركية للولايات المتحدة، بشكل موارب أحياناً وصريح أحياناً أخرى، بتدبير محاولة الانقلاب.
في وقتٍ لا يستطيع فيه أحد أن يجزم فيما لو كانت الانتخابات الأمريكية قد «حطت رحالها» عند جو بايدن، أم أننا أمام «معركة قانونية» طويلة الأمد، ومفتوحة على خيار المواجهة الداخلية بين أطراف الانقسام الأمريكي، لا بد من الإشارة إلى حقيقة غالباً ما يجري تجاهلها في التعاطي الإعلامي مع مسألة الانتخابات الأمريكية، وهي: أن التراجع الحاصل في وزن الولايات المتحدة عموماً قد قلّص إلى حدودٍ كبيرة هامش مناورة أي رئيس مقبل.