الولايات المتحدة تعاني... وتعترف بذلك

الولايات المتحدة تعاني... وتعترف بذلك

لم يتفاجأ أحد بتصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رسم صورة قاتمة للولايات المتحدة إثر الأزمة الاقتصادية والصحية المتفاقمة في البلاد. فبالرغم من أنها المرة الأولى التي يعترف بها الرئيس الأمريكي بوجود هذه الأزمة علناً مؤكداً أن «البلاد تعاني» إلا أن أحداً من وسائل الإعلام السائدة لم يهتم لا بهذا التصريح، ولا بمجمل المؤشرات التي تؤكد الارتفاع غير المسبوق في مستوى تشاؤم الأمريكيين إزاء مستقبل بلادهم.

الجديد أن الرأي القائل بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش اليوم آخر لحظاتها كقوة دولية منفردة واستثنائية في العالم لم يعد رأياً صادراً عن قوى خارجية لها مصلحة بانكفاء الولايات المتحدة ومنعها من التوسع، بل بات اليوم ودون مبالغة رأي غالبية المواطنين الأمريكيين حول الآفاق المستقبلية في دولتهم.

ووفقاً لمسح أجرته مجموعة «أكسيوس إيبسوس axios ipsos» بين 11 و13 كانون الثاني، فإن حوالي أربعة من كل خمسة أميركيين - من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء- يعتقدون أن الولايات المتحدة تنهار. ونشر الاستطلاع الذي تضمن مقابلات مع أكثر من ألف شخص بالغ بعد أسبوع كامل من اقتحام الكونغرس في السادس من كانون الثاني. وعبّر البعض عن قناعته علناً بأن النظام الأميركي خذل الناس الذين يحتاجون بالفعل إلى المساعدة. بينما اعتبر البعض الولايات المتحدة «دولة فاشلة كدول العالم الثالث».

وراء هذه القناعة المتزايدة في الولايات المتحدة تقف حقيقة تراجع ثقة المواطنين الأمريكيين ببلادهم، فالدولة التي كانوا يعتقدون أنها كليّة القدرة جعلتهم يقعون في الخوف والرعب، حيث فشلت الولايات المتحدة في كبح جماح فيروس كورونا الذي قتل ما يزيد عن 400000 مواطن أمريكي ولا يزال يقتل المزيد (يتوقع الرئيس بايدن أن يصل العدد إلى 600000).

ما لا يقل عن نصف الأميركيين يختلفون مع الرئيس الحالي ومع الحكومة التي يقودها. والكثير من القلق يدور الآن حول هل سيكون هناك «أمريكتين»، ذلك أن الانقسام الحاد في الولايات المتحدة لم يسبق له مثيل، فالانكماش الاقتصادي، وانخفاض مستويات معيشة الناس، وارتفاع معدل البطالة، واتساع فجوة الثروة، وتعميق الصراعات ذات الطابع العرقي، والوباء المنتشر، كلها عوامل تشير إلى أن التناقضات الاجتماعية وارتفاع الاحتقان في الولايات المتحدة سوف يشتدان.

وحتى الآن، وبالرغم من تنصيب الرئيس جو بايدن، لم تظهر الولايات المتحدة أي قدرة على إصلاح أو حل هذه الأزمات. وهو ما يساهم في المزيد من حالة الإحباط العام، أما لماذا وصلت الولايات المتحدة إلى مثل هذا الوضع؟ فيعزو العديد من الغربيين الأزمة الأمريكية الحالية إلى سياسات الرئيس دونالد ترامب وإدارته، وهذا الرأي مفرط في التبسيط، فترامب ليس السبب كما أوضحنا سابقاً في مقالاتٍ عدة بل هو أحد أعراض عالم أميركي يسقط ويتهاوى بفعل العطب البنيوي في النظام الأمريكي.