التداعي الأمريكي... ووحدة الحال الروسية الصينية

التداعي الأمريكي... ووحدة الحال الروسية الصينية

في حين انتشرت الكثير من التوقعات المبكرة بأن جو بايدن سوف «يحدث تغييراً إيجابياً» في حالة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، فقد أصبح من الواضح أن التغيير الوحيد الذي ستجلبه إدارة بايدن، في حال انتقلت السلطة إليها فعلاً، سيكون زيادة نسبية في التركيز على الجوانب العسكرية للتوترات الثنائية مع الخصوم الاستراتيجيين.

في حين أن الجانب العسكري من التوترات لم يكن أبداً أقل أهمية في عهد ترامب، إلا أنه تكثر التوقعات بأن تتحول «الحرب التجارية» بين الولايات المتحدة والصين إلى «حرب موارد عسكرية». وفي هذا الصدد، أفادت الأنباء خلال الأسبوع الماضي أن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أكد أن موسكو لا تتوقع شيئاً جيداً في العلاقات مع الولايات المتحدة التي ستكون «معادية بشدة» في ظل الإدارة القادمة لجو بايدن، وأضاف: «إننا نتجه من سيء إلى أسوأ. لقد جرى ترك الرئيس الأميركي المقبل مع إرثٍ سيء، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً بالنسبة له لتسوية هذا الأمر».

وفي الوقت نفسه، فإن حقيقة أن العديد من المسؤولين في إدارة بايدن آتين من إرث مليء بـ«رهاب الروس» يعني أن الإدارة القادمة سوف تجد أن دفع العلاقات أكثر صعوبة بكثير مما كان عليه سابقاً. وبالتالي، فإن السياسة المنطقية الوحيدة تتمثل في أن ينسّق الجانبان الروسي والصيني علاقاتهما الثنائية بشكلٍ أكبر، وهو ما عبّر عنه الرئيسان اللذان أعلنا أن الاتصالات الثنائية بين البلدين بلغت مستوى غير مسبوق تاريخياً.

محاولات للتصعيد خلال الأشهر القادمة

تستعد الولايات المتحدة، في ظل إدارة بايدن، لتحويل تركيزها إلى شرق بحر الصين وبحر الصين الجنوبي. ويُنظر إلى هذا على أنه بوابة لإعادة الحيوية ليس فقط إلى الوجود العسكري الأمريكي في جميع أنحاء آسيا، بل وأيضاً علاقاتها مع حلفاء واشنطن التقليديين، بما في ذلك اليابان. وقد بدأت روسيا والصين - اللتان تستشعران تزايد الضغوط العسكرية الأمريكية في الشهور المقبلة- في تجميع مواردهما وتنسيق خطواتهما لمواجهة الخطط الأمريكية.

من هذا المنطلق، فإن الدورية الاستراتيجية الجوية المشتركة التي قامت بها القوات الجوية الروسية والصينية في 22 كانون الأول الماضي فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، حملت رسالة واضحة للمعولين على التصعيد في واشنطن. حيث أرسلت الصين أربع قاذفات من طراز «إتش 6 كيه» وأرسلت روسيا قاذفتين من طراز «تى يو 95». وأمّنت الطائرات الحربية غطاءً وقامت بدوريات في بحر اليابان وشرق بحر الصين الشرقي، وهي المسألة التي من المرجح أن تصبح مسألة روتينية في هذه المنطقة.

ويأتي التنسيق الروسي الصيني المتزايد في مواجهة الزيادة الواضحة للنشاط العسكري الأمريكي في المنطقة؛ ففي شهر كانون الأول الماضي قامت السفن البحرية الأمريكية ببعض التحركات بالقرب من بحر الصين الجنوبي. وفي التاسع عشر من الشهر ذاته أجرت المدمرة USS Mustin عملية عبور عبر مضيق تايوان. وفي 22 كانون الأول قامت المجموعة البرمائية الجاهزة التابعة للبحرية الأمريكية التي تتكون من عدّة سفن ومقاتلات بدوريات في بحر الصين الجنوبي وأجرت تدريبات «مرتجلة» بالذخيرة الحية.

ويشير الردّ الروسي الصيني على التحركات الأميركية إلى أن الدولتين على استعداد تام لمواجهة المحاولات الأمريكية لإعادة إحياء الهيمنة الأحادية الأمريكية على العالم. وفي حين أن إدارة ترامب اتبعت استراتيجية «أمريكا أولاً» وبدأت «حرباً تجارية» مع الصين، فإن تصميم إدارة بايدن على إنهاء «أميركا أولاً» وإعادة الحيوية للاستراتيجية السابقة لإدارة أوباما والمسمّاة «محور آسيا» ينطوي بطبيعته على منافسة عسكرية ومسعى لإقامة هيمنة أمريكية. وهذا يستهدف بشكلٍ خاص كل من بحر الصين الجنوبي والبحر الأسود ومنطقة البلطيق.

واشنطن تريد «البقاء في المنافسة»

في آخر مؤتمر إحاطي له في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، وبوجود الملحقين العسكريين الأجانب في موسكو، قال رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، إن الزيادة الكبيرة في عدد زيارات سفن الناتو إلى البحر الأسود وبحر البلطيق وبحر بارنتس تثير القلق.

كما زاد عدد رحلات الطائرات الاستراتيجية الأمريكية، مشدداً أنه «لم تكن هنالك أية ردود فعل من الناتو حتى يومنا هذا على المقترحات الروسية لتخفيف النشاط العسكري بشكلٍ متبادل على طول خط التماس بين روسيا ودول الناتو. وأكد أنه حدثت زيادة كبيرة في الميزانيات العسكرية لدول الناتو وقدراتها العسكرية وأنه يتم تنفيذ أنشطة التدريب لقوات التحالف بتوجهٍ واضح مناهض لروسيا، وأن هذه الأخيرة مضطرة للرد على أية محاولة لكسر التوازن في هذه المنطقة.

وهذا يدل على أن الولايات المتحدة وحلف الناتو لا يزالان ينسقان الخطى لمواجهة محتملة مع روسيا، ومن المرجح أن تصبح هذه المواجهة بمثابة الوجه المهيمن للعلاقات الأمريكية مع روسيا والصين خلال عهد بايدن. وقد أكد ذلك مؤخراً الجنرال في الجيش الأمريكي، مارك ميلي، في محادثة مع معهد بروكينغز حيث قال إن الولايات المتحدة تريد «البقاء في التنافس بين القوى العظمى».

ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإن اتحاد روسيا والصين ضد الولايات المتحدة يشكل تحدياً هائلاً، وخاصة بسبب حقيقة مفادها أن القوة العسكرية المشتركة بين روسيا والصين سوف تكون أقوى من أن تضاهيها أية قوة عسكرية في العالم. ولا بد أن واشنطن انتبهت أنه في السنوات القليلة الماضية فقط، اجتمع الرئيسان شي جين بينج وفلاديمير بوتين أكثر من ثلاثين مرة، وقررا دائماً تنسيق الخطوات في معارضة الهيمنة والأحادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
999