رافضو الهيمنة الغربية يتكتلون تدريجياً

رافضو الهيمنة الغربية يتكتلون تدريجياً

شرعت الصين منذ أكثر من عقد في بناء السياسة التي تعتمد على «اقتصاد السلام»، وهي الإستراتيجية التي انتهجتها غير متأثرة بالعدوان المستمر من جانب الغرب بقيادة الولايات المتحدة. ما فتح باب التساؤل: هل كانت هذه الطريقة الصينية الصامدة والسلمية في آن معاً هي السبب في جعل البلاد نموذجاً ناجحاً يبدع بشكلٍ مستمر، ويحتضن المزيد والمزيد من الحلفاء في طريقه؟

رغم كل الدعاية الغربية المتواصلة، فإن هدف الصين ليس غزو العالم أو «استبدال» الولايات المتحدة بإمبراطورية أخرى جديدة. على العكس تماماً، يسعى التحالف بين الصين وروسيا، ومن خلفهما منظمة شنغهاي للتعاون، إلى عالمٍ يتمتع بالمزيد من العدالة للجميع، أي: التجارة الأكثر عدلاً التي تحمل شعار «المنفعة للجميع»، وهذه أيضاً سياسة تم تثبيتها في اتفاقية «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP» التي تم التوقيع عليها مؤخراً، وكذلك مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس الصيني، تشي جين بينغ في عام 2013.

نموذج مريح للتعاون

على عكس النهج الغربي، لا تجبر الصين أحداً على التعاون معها، إنما تقدّم التعاون السلمي بوصفه فرصة فعلية للمنفعة المشتركة: في عام 2014، سافر الرئيس الصيني إلى ألمانيا ليعرض على المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل أن تنخرط بلادها في مبادرة الحزام والطريق، وكان هذا من شأنه أن يشكل فرصة لأوروبا كلها. ومع ذلك، فإن ميركل، التي كان لزاماً عليها أن تتبع إملاءات واشنطن، لم تستجب بشكل إيجابي. عاد جين بينغ إلى بكين، وواصلت الصين مسارها الدؤوب لربط دول العالم بالبنية التحتية للنقل، والمشاريع الصناعية المشتركة بين البلدان، ومشاريع التعليم والبحث، فضلاً عن التبادلات الثقافية.

ومنذ ذلك الوقت، يُعرب العديد من قادة الدول الإفريقية والجنوب العالمي عموماً صراحة عن ارتياحهم ورضاهم بأن تكون الصين شريكاً لبلادهم، وذلك لتعامل الصين مع هذه الدول بشكل يضمن مصالح شعوب هذه الدول، بعيداً عن العلاقات مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، حيث البلطجة والإكراه، والعقود غير المتكافئة التي يخضع الالتزام أو عدم الالتزام بها للأهواء الأمريكية.

إزاحة أساسات الهيمنة الأمريكية

رغم الكراهية المعلنة، يعتمد الغرب كثيراً على الصين في سلاسل التوريد. وقد أظهرت الأزمة الاقتصادية مؤخراً بوضوح مدى اعتماد الغرب على السلع المنتجة في الصين من المعدات الإلكترونية المتطورة إلى المستحضرات الصيدلانية، على سبيل المثال: حوالي 90٪ أو أكثر من المضادات الحيوية أو مكونات المضادات الحيوية مصنوعة في الصين. وتنطبق نسب مماثلة على الواردات الغربية الحيوية الأخرى، ولم تفكر الصين يوماً في استخدام هذه النسبة العالية كوسيلة لعقاب الدول الأخرى أو إخضاعها، رغم أن ذلك بمتناول يدها.

كما طورت الصين أيضاً عملة رنمينبي (RMB) أو ما بات يعرف باليوان الدولي الرقمي الجديد، الذي قد يتم طرحه قريباً لتسوية التبادلات النقدية بجميع أنواعها، بما في ذلك التحويلات والتجارة وحتى كعملة احتياطية. ويتجه اليوان بالفعل ليعزز مواقعه كعملة احتياطية محتملة، ولا شك أن الولايات المتحدة تحسب الحساب لاحتمال أن يحل اليوان تدريجياً محل الدولار الأميركي كعملة احتياطيةــ وهذا لأن العديد من الدول تدرك شيئاً فشيئاً أن اليوان عملة مستقرة مدعومة بالذهب، ويدعمها أيضاً اقتصاد متين، هو الاقتصاد الوحيد الذي سوف ينمو في عام 2020 بنسب كبيرة، في حين ستتراجع الاقتصادات الغربية بشدة. وفي هذا الصدد، فالتوقعات وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا: بين 12٪ (توقعات الاتحاد الأوروبي) وما يصل إلى 30٪ - 35٪ (توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي).

استخدم الدولار الأميركي- وسيادته على نظام التحويل الدولي من خلال نظام سويفت- على نطاق واسع لفرض عقوبات على الدول التي لم تقبل بالإملاءات الأمريكية، وهو ما جعل الهروب من هذه الهيمنة القسرية بمثابة حلم للعديد من الدول. ولذلك، فإن التداول والاستثمار والتعامل بالعملة الصينية، ستكون فرصة جدية للعديد من الدول التي تريد حقاً الحفاظ على سيادتها.

شهد الدولار الأمريكي حتى الآن تراجعاً هائلاً بالفعل. منذ نحو 20-25 سنة، كانت حوالي 90% من مجمل الاحتياطيات في العالم مقومة بالدولار الأمريكي، وقد تقلصت هذه النسبة اليوم إلى أقل من 60%، وتواصل الانخفاض. وعلى هذا الأساس، فإن اليوان واليوان الدولي الرقمي الحديث، إلى جانب اقتصاد صيني قوي تجمعه تحالفات عدة، سيساهم في زيادة الإنهاك الأمريكي، وقد يعود الدولار الأمريكي في نهاية المطاف إلى أن يكون مجرد عملة محلية أمريكية، كما ينبغي أن يكون.

والإنجازات الاقتصادية التي حققتها الصين ومشاريعها التطلعية يمكن تلخيصها في حدثين رئيسين، أو برنامجين عالميين، اتفاقية التجارة الحرة الموقعة للتو مع 14 دولة: دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، والتي تؤمن عملياً التجارة الحرة بين دول يقطنها حوالي 2,2 مليار نسمة، وتستحوذ على نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو الاتفاق الذي لم يسبق له مثيل في الحجم والقيمة. وبالإضافة إلى هذا الاتفاق، يجب ألّا نغفل أنه يرتبط بمبادرة الحزام والطريق، التي تضم في حد ذاتها أكثر من 130 بلداً، وأكثر من 30 منظمة دولية. كما أن لدى الصين وروسيا شراكة إستراتيجية طويلة الأمد، تحتوي على اتفاقيات ثنائية تدخل أيضاً في هذا الإطار المناهض للهيمنة الغربية، بالإضافة إلى أن بُلدان الاتحاد الاقتصادي لآسيا الوسطى، التي تتألف في معظمها من الجمهوريات السوفييتية السابقة المدمجة أيضاً في هذه الكتلة التجارية الشرقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
997