واشنطن تخسر سباقها العسكري ضد روسيا والصين
حاولت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهاج سياسة واضحة في التحريض وتأجيج العداء ضد روسيا والصين، وتجلى ذلك في أحيان كثيرة بتجميع العديد من القوات المسلحة بالقرب من حدود موسكو وبكين، اللتين صنفتهما الولايات المتحدة بوصفهما «خصمين إستراتيجيين»، بالإضافة إلى الأعمال الاستفزازية غير الناجحة، التي قامت بها البحرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي والرحلات الاستطلاعية شبه المستمرة للطائرات المقاتلة والقاذفات الإستراتيجية الأمريكية بالقرب من حدود خصميها الإستراتيجيين.
رغم كل المحاولات لعكس مسار التوازنات، فقدت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة تفوقها العسكري السابق. فاليوم، يعترف الخبراء العسكريون الأمريكيون علناً بعجزهم عن القيام بأعمال عدائية متزامنة ضد روسيا والصين. وعلى الرغم من أن ميزانية الدفاع الأمريكية حطمت جميع الأرقام القياسية في السنوات الأخيرة، تؤكد مؤسسة «Heritage» في مؤشرها السنوي للقوة العسكرية الأمريكية: أنه «كما هو الحال حالياً، فإن الجيش الأمريكي قادر بشكل هامشي فقط على تلبية مطالب الدفاع عن المصالح الوطنية الحيوية لأمريكا». وبحسب بياناتها، فإن الجيش الأمريكي يبلغ حوالي «ثلثي الحجم الذي ينبغي أن يكون عليه» لمعالجة سيناريو الحربين الرئيسيتين ضد الصين وروسيا. ولذلك فإن الحرب المتزامنة مع روسيا والصين باتت اليوم احتمالاً كارثياً بالنسبة للعسكريين الأمريكيين ستترتب عليه هزيمتهم الحتمية.
محاولات يائسة
مؤخراً، أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية عن محاولة عبثية جديدة «لتخويف روسيا» من خلال تجهيزات عسكرية أمريكية في رومانيا، تستهدف الحضور الروسي في جمهورية القرم (حيث قامت القوات البرية الأمريكية بنقل راجمتي صواريخ بعيدتي المدى من طراز HIMARS إلى رومانيا، وأطلقت عدة صواريخ على أهداف في البحر الأسود، ثم أعادت الوحدات على عجل إلى قاعدة في ألمانيا، وقد حدث ذلك في غضون ساعات قليلة). والملفت أن الطريقة الأمريكية هذه المرة جاءت لتؤكد أنه لم يعد أمام الولايات المتحدة سوى الاستعراض المؤقت السريع للقوة، في مقابل استقرار المنظومات العسكرية الروسية وتمتعها بقدر أكبر من حرية الحركة.
حيث يؤكد الخبراء العسكريون: أنه إذا هاجمت الصواريخ الأمريكية شبه جزيرة القرم بشكلٍ حقيقي، فإن روسيا، بمساعدة محطات استخباراتها الراديوية والتقنية، سوف تجد من أين أطلقت هذه الصواريخ، وأن صاروخ بانزر (أرض- جو) وصاروخ اسكندر قادر على تحييد منظومة هيمارس التي تعتمد عليها الولايات المتحدة. وعلى الأغلب، ستكون هذه الخسائر الأمريكية خسائر أولية (ما قبل الرد الروسي) على افتراض أن موسكو اكتفت بإسقاط الصواريخ، ولم ترد بأعمال انتقامية ضد منشآت القوات الأمريكية ومراكز التنسيق الخاصة بها.
واليوم، يشير العديد من الخبراء الأميركيين إلى نقص التمويل اللازم للصناعة الحربية، وفقدان القدرة القتالية الأمريكية، والعواقب السلبية الإضافية المترتبة على تفشي فيروس كورونا في المجتمع الأمريكي وضمناً المؤسسة العسكرية، فضلاً عن أن مكافحة هذا الوباء تتطلب موارد هائلة من السلطات الأمريكية على الأغلب كانت ستذهب إلى الإنفاق العسكري.
أسبقية الخصوم والتعب الأمريكي
بناءً على ما سبق، فإن المنشورات التي تظهر دورياً في وسائل الإعلام الأمريكية، حول جودة المعدات والأسلحة العسكرية الأمريكية التي لا تفي بمعايير اليوم، لم تعد تثير الاستغراب. وعلى وجه الخصوص المسألة التي تؤرق بال العسكريين الأمريكيين اليوم، والتي تتجلى بأنه بالإضافة إلى محنة الولايات المتحدة فيما يتعلق بتقدم خصومها في مجال الأسلحة فرط الصوتية، فإن واشنطن ليست لديها أنظمة يمكن أن تعرض خصومها الروسي والصيني للخطر بطريقة مماثلة، كما أن المشكلة الكبرى لدى واشنطن تتمثل في أنها لن تستطيع الاستثمار جدياً في وسائل دفاعية ضد الأسلحة الفرط صوتية، وسيكون لزاماً عليها أن تبدأ إنتاج هذه الأسلحة، وهي بذلك محكومة أيضاً بالأسبقية الروسية في هذا المجال من جهة، ومن جهة أخرى بالتسارع الهائل الذي تبديه الصين إزاء هذه المسألة.
حيث يؤكد البروفيسور في قسم هندسة الطيران في جامعة ميشيغان الأمريكية، إيان بويد، والذي عهدت إليه مهمة تطوير نماذج حسابية للمساعدة في تصميم الأسلحة فرط الصوتية بتمويل من الحكومة الأمريكية: «منذ عام 2005، نشرت الصين من الأبحاث في إطار الأسلحة الفرط صوتية أكثر مما فعلت دول العالم مجتمعة. لقد استثمر الصينيون في عدد من مرافق الاختبار المرتبطة بهذه الأسلحة، وأجرت اختبارات لطائرات تفوق سرعة الصوت في الآونة الأخيرة، أكثر بكثير من الاختبارات التي تقوم بها الولايات المتحدة. أما روسيا، فقد أنجزت خطوة متكاملة بإعلان بوتين عن منظومة أفانغارد».
وبعد الضرر الذي أصاب الصورة العامة للولايات المتحدة قبل عام، فيما يتعلق بهيبة أنظمة باتريوت للدفاع الجوي وأدائها المخزي في المملكة العربية السعودية، بدأ البنتاغون في البحث جدياً عن سبل لإصلاح الثغرات في نظام الدفاع الجوي، دون أن يستطيع الوصول إلى نتائج تستحق الذكر. وعلى هذا النحو، فإن الافتقار إلى التمويل للميزانية العسكرية الأمريكية ليس السبب الأساس في تدهور حالة الجيش الأمريكي بل يرتبط ذلك بشكلٍ أساس في تراجع الوزن النوعي الأمريكي عموماً والعسكري ضمناً.
والآن، بعد عقود مما يسمى «الحروب التي لا نهاية لها» التي كلفت دافعي الضرائب الأميركيين تريليونات الدولارات، وقتلت الآلاف من القوات الأمريكية، يتشكل مزاج واسع في الولايات المتحدة ضد المزيد من الزيادات في الإنفاق العسكري، التي دعا إليها أعضاء في النخبة العسكرية والسياسية الأمريكية، وهذا ما يفسر العديد من التحليلات التي تظهر مؤخراً، وتتشابه فيما بينها بحقيقة واحدة، هي أن المجتمع الأمريكي قد تعب من الحروب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 995