هل تستعد الولايات المتحدة لمغادرة تركيا؟
في السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بشكل كبير لأسبابٍ عدة، وكانت أهم محطات هذا التدهور حاضرة في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في عام 2016 التي هدفت للإطاحة بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أن تتالى الاتهامات التركية للولايات المتحدة، بشكل موارب أحياناً وصريح أحياناً أخرى، بتدبير محاولة الانقلاب.
بعد ذلك، بدأت تتسارع مؤشرات التغير في العلاقات الثنائية بين البلدين، ومنها شراء أنقرة أنظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز «إس 400» وإعلان تركيا المتكرر عن خططٍ لنشر هذه الدفاعات. وبالإضافة إلى ذلك، حكم القضاء التركي على العديد من موظفي القنصلية الأمريكية في اسطنبول بالسجن هذا العام: في حزيران، أدين ميتين توبوز بتهمة «مساعدة وتحريض جماعة إرهابية»، وحكم عليه بالسجن لأكثر من ثماني سنوات. وفي تشرين الأول، أُدين نظمي كانتورك، وهو دبلوماسي يعمل في قطاع الأمن، بتهمة مساعدة وتحريض «منظمة فتح الله غولن» (ويشار إليها أيضاً باسم منظمة فيتو) وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات.
النظر في إبعاد تركيا
تسارع احتدام هذه التناقضات والصراعات بين البلدين وانتشر إلى مناطق إشكالية أخرى، بما في ذلك سورية وشرق البحر الأبيض المتوسط. وفي نهاية تشرين الأول، تحدثت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس عن تغيير موقف واشنطن تجاه تركيا، مؤكدة: «نرفض بشدة تشغيل منظومة إس 400 لأن ذلك ينتهك التزامات تركيا باعتبارها حليفاً في الناتو، وشريكاً إستراتيجياً للولايات المتحدة».
بعد ذلك، تم استبعاد تركيا من برنامج بناء وشراء مقاتلات «إف 35» من الجيل الخامس، وأبلغت وزارة الخارجية الأمريكية الكونغرس بخطط بيع ما يصل إلى 50 مقاتلة إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي ذاتها التي كان من المقرر توريدها إلى تركيا. إلى جانب ذلك، قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزب الديمقراطي في 22 تشرين الأول الماضي مشاريع قرارات حثت إدارة الرئيس دونالد ترامب على النظر في جدوى استمرار المساعدة العسكرية لتركيا، في حين أن الكونغرس الأمريكي بدأ فعلاً النظر في احتمال إبعاد تركيا من حلف شمال الأطلسي.
في ظل هذه الظروف، أصبح أحد مواضيع الصراع بين واشنطن وأنقرة في الآونة الأخيرة مصير محطة المراقبة الرادارية الأمريكية في بلدة كورسيك التركية، وكذلك المعدات العسكرية الأمريكية في قاعدة إنجرليك، التي كانت تُعد لعقود جزءاً لا يتجزأ من الحضور العسكري للولايات المتحدة والناتو في جنوب تركيا. (تجدر الإشارة إلى أن قاعدة إنجرليك العسكرية الواقعة في شرق تركيا بنيت في الأصل بهدف تلبية احتياجات الجيش الأمريكي، ويمكن لها أن تحتوي، وفقاً للتقديرات، على حوالي 50 رأساً نووياً، و5 آلاف جندي أمريكي، وكانت واشنطن قد استخدمت إنجرليك سابقاً لإطلاق الحملات العسكرية في الخليج والعراق وسورية).
العقوبات هي الخيار الأكثر احتمالاً
يتفق الخبراء العسكريون على أن خسارة هذه القواعد العسكرية تمثّل ضربة قاسية للقدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة، فإذا فقدت الولايات المتحدة والناتو القدرة على الوصول إلى قاعدة إنجرليك يكونان قد فقدا موطئ قدمهما الرئيسي في الشرق الأوسط، ذلك لأن إنجرليك هي فعلياً مطار ضخم مجهز بكامل البنية التحتية اللازمة لخدمة أية طائرة، بما في ذلك القاذفات الإستراتيجية والقاذفات بعيدة المدى والمقاتلات والطائرات الهجومية، كما أنها تخزن أكثر من اثنتي عشرة قنبلة أمريكية من طراز «بي 61». وكانت تركيا قد هددت في مناسبات عديدة بأنها ستغلق «إنجرليك» في وجه الولايات المتحدة، إذا فرضت واشنطن عقوبات على شراء صواريخ «إس 400» أو استمرت في التهديد بوقف التعاون بشأن الجيل الخامس من برنامج مقاتلات «إف 35».
في المقابل، أعلن كلارك كوبر مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية إمكانية مغادرة الولايات المتحدة قاعدة إنجرليك، والبحث العاجل عن بدائل لها خلال مؤتمرٍ صحافي في الثاني من الشهر الجاري، وأنه لهذا الغرض قام في نهاية تشرين الأول الماضي بزيارة قبرص وبلغاريا، كما اجتمع في أثينا مع وزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس. وكانت إحدى المحطات التي قام بها كوبر خلال زيارته هي قاعدة سودا البحرية اليونانية، التي تعتبر أحد المواقع الرئيسة للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليونان. وكان هذا هو المكان الذي تم فيه التوقيع على اتفاقية التعاون الدفاعي المتبادل طويلة الأمد بين أثينا وواشنطن.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، قال كوبر: إن «العقوبات هي الخيار الأكثر احتمالاً في الوقت الحالي»، وإن «صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد من أنقرة». وعلى حد تعبيره، «إس 400 لا تتعارض فقط مع منصات القتال الأمريكية، بل لا تتفق أيضاً مع عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي»، غير أن المفارقة المضحكة كانت أن كوبر لم يقل شيئاً عن «مدى توافق» منظومة «إس 300» التي اشترتها اليونان، وهي أيضاً عضو في حلف شمال الأطلسي، من روسيا.
اليونان «بديلاً»...
على هذا الأساس، بدأت الولايات المتحدة تدرس جدياً إمكانية مغادرة قاعدة إنجرليك، ونقل القوات والمعدات الأمريكية المتمركزة هناك إلى إحدى الجزر اليونانية. وفي أيلول الماضي، قال السيناتور رون جونسون، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، في مقابلة مع صحيفة واشنطن إكزامينر: «لا نعرف ما سيحدث لإنجرليك... في الواقع يجب أن نخطط للأسوأ... إننا نعتبر اليونان بالفعل خياراً بديلاً»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تقوم ببناء وجودها العسكري في منطقة كريت.
بالتوازي مع ذلك بدأ كوبر في ممارسة ضغوط مكثفة غير مجدية على جمهورية قبرص، مبدياً استياء البيت الأبيض من أن قبرص لا تتخذ أية تدابير عملية لمنع السفن الحربية الروسية من دخول الموانئ القبرصية. وفي وقت سابق، أعرب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أيضاً عن «مخاوف البيت الأبيض» بشأن دخول السفن الروسية إلى الموانئ القبرصية قبل إكمال طريقها إلى سورية. في المقابل، قال وزير الخارجية القبرصية، نيكوس كريستودوليدس، بعد استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن السلطات القبرصية ستواصل السماح للسفن الحربية الروسية بدخول موانئها.
لتحميل العدد 992 بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 992