حسابات القوة الأمريكية: الهزيمة خيار وحيد
نظراً للقوة الهائلة التي تتمتع بها الصين على المستويات كافة، فإنه من الطبيعي جداً أن نرى مختلف الإدارات في الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها العسكرية، مهووسة بصعود الصين ومحاولة إبطاء هذا التغير الحاصل في الموازين الدولية لغير المصلحة الأمريكية، ولا سيما أنه يتزامن مع صعود الخصم الدائم للولايات المتحدة المتمثل بالاتحاد الروسي.
في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، قررت الولايات المتحدة تركيز المواجهة مع الجانب الصيني على الجبهة الاقتصادية، وبدأت «حرباً تجارية» شهدت العديد من العقوبات والعقوبات الجوابية بين الجانبين. وقبل إدارة ترامب، كانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد قررت مواجهة الصين من خلال المزيد من الوسائل العسكرية التي اتخذت في حينه شكل مشروع «محور آسيا» المناهض للصين، ومن المرجح أن تقوم الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن (فيما لو انتقلت السلطة إليه فعلاً، وهو ليس السيناريو الوحيد حتى الآن)، بالاتجاه فعلاً نحو إعادة التركيز على الجبهة العسكرية.
وفي حين أن إدارة بايدن ستخوض الحرب ذاتها التي خاضتها إدارة ترامب منذ عام 2017، فإن الإدارة الجديدة ستستخدم غالباً أدوات مختلفة لتحقيق الهدف ذاته، ذلك في وقتٍ تتنامى فيه المخاوف الأمريكية من تصاعد الوزن النوعي للصين، وبشكلٍ خاص التطور العسكري الهائل الذي تنجزه بكين بهدوء ودون ضجيج.
تقرير البنتاغون
يروي تقرير حديث أنجزه البنتاغون لمصلحة الكونجرس الأميركي، كيف أن الصعود العسكري في الصين في السنوات العشرين الماضية لم يكن هائلاً فحسب، بل إنه يشكل أيضاً التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم. وأن الجيش الصيني قد «حشد بالفعل الموارد والتكنولوجيا والإرادة السياسية على مدى العقدين الماضيين لتعزيز وتحديث جيش التحرير الشعبي في كل النواحي تقريباً». والواقع، كما يبين هذا التقرير، أن «الصين سبقت الولايات المتحدة بالفعل في بعض المجالات، بما في ذلك بناء السفن، والصواريخ الباليستية البرية، ونظم الدفاع الجوي المتكاملة».
وعلى عكس السفن الـ 293 التي تملكها البحرية الأمريكية، «تمتلك جمهورية الصين الشعبية بالفعل أكبر أسطول بحري في العالم، مع قوة قتالية إجمالية تضم ما يقرب من 350 سفينة وغواصة، بما في ذلك أكثر من 130 مقاتلة رئيسة». وبالمثل، يُظهر التقرير أن «جمهورية الصين الشعبية لديها واحدة من أكبر أنظمة الأرض- جو طويلة المدى، بما في ذلك أنظمة إس 300 وإس 400 روسية الصنع، والأنظمة المنتجة محلياً التي تشكل جزءاً كبيراً من هيكل نظام الدفاع الجوي المتكامل والقوي».
التحديث العسكري في الصين، وحقيقة أن البلاد بدأت بالفعل في التفوق على الولايات المتحدة يشكل جزءاً من الإستراتيجية الشاملة لجمهورية الصين الشعبية، التي صار يُنظَر إليها– بحسب التقرير- على أنها «قوة مُعدِّلة» عازمة على تغيير النظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة. ويخلص التقرير وفقاً لذلك إلى أن الحزب الشيوعي الصيني «كلف جيش التحرير الشعبي بتطوير القدرة على إبراز السلطة خارج حدود الصين، والأطراف المباشرة لتأمين المصالح المتنامية لجمهورية الصين الشعبية في الخارج، وتعزيز أهداف سياسته الخارجية»، مضيفاً أيضاً أن «القوات المسلحة الصينية سوف تضطلع بدور أكثر نشاطاً في دفع أهداف السياسة الصينية الخارجية».
تغيير في الأدوات لا السياسات
تقول إدارة بايدن، التي أشادت كثيراً بالتقرير: إنها سوف تركز أكثر على احتواء صعود الصين. ومن المعروف أن جيك سوليفان، الذي اختاره بايدن كمستشار للأمن القومي، انتقد مراراً وتكراراً إدارة ترامب لفشلها في كبح العسكرة الصينية المتزايدة، وكان قد دعا سابقاً إلى درجة أعلى من تخصيص الموارد «للتحكم» بالأنشطة الصينية. وفي مقابلة أجريت معه العام الماضي، أكد سوليفان إنه «ينبغي لنا أن نكرِّس المزيد من الأصول والموارد لضمان وتعزيز الوقوف إلى جانب شركائنا في منطقة بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى أيضاً».
وكثيراً ما تردد الإدارة الأمريكية الجديدة أن «نهوض الصين الاقتصادي مفيد للعالم ككل ويتعين تشجيعه»، وهو ما يراه محللون بمثابة إعلان تحويل الولايات المتحدة تحت إدارة بايدن تركيزها من المواجهة الاقتصادية إلى المواجهة العسكرية مرة أخرى. وبعبارة أخرى، تتزايد الشكوك بأن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لن تقترب من نهايتها إلا بولادة بوادر مواجهة عسكرية في آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما ينسجم مع التوافق الحاصل داخل صفوف النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة بالحفاظ على التصعيد مع الصين.
وتحسباً لذلك، تخطط الولايات المتحدة لإرسال المزيد من السفن إلى منطقة بحر الصين الجنوبي في المستقبل. وذكر التقرير السالف الذكر: أن السفن الأمريكية «ستقبل أيضاً مخاطر تكتيكية محسوبة، وستتبنى موقفاً أكثر حزماً في عملياتها اليومية. وبالتالي، من الواضح أن الولايات المتحدة تحت إدارة بايدن لن تتبنى سياسة مختلفة جذرياً تتخلى فيها عن المواجهة التي شهدناها، ولا نزال نشهدها في عهد ترامب، بل الفرق الوحيد الذي سنراه هو التركيز المتزايد نسبياً على محاولة كبح التطور العسكري في الصين ونفوذها السياسي والاقتصادي المتزايد.
وبعبارة أخرى، فإن إدارة بايدن سوف تولي اهتماماً كبيراً لعكس مسار الشؤون الذي ألحق ضرراً كبيراً بالفعل، كما يظهر التقرير، بـ«الوصول غير المقيد» الذي كانت تستخدمه الولايات المتحدة في محيطات العالم، كلما ومتى احتاجت إلى ذلك. وإذا كان «الوصول غير المقيد» هو مفتاح التفوق العالمي للولايات المتحدة سابقاً، فإن وقوف الثنائي الروسي والصيني كحجر عثرة أمام هذا المفتاح، يعني بشكلٍ أو بآخر فقدان الولايات المتحدة لتفوقها السابق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 998