المناورات العسكرية المصرية الصينية والروسية: تطور العلاقات وانعكاساتها الإقليمية
كنان دويعر كنان دويعر

المناورات العسكرية المصرية الصينية والروسية: تطور العلاقات وانعكاساتها الإقليمية

شهدت مصر في شهر أبريل/نيسان الجاري مناورات عسكرية مشتركة مع كل من الصين وروسيا، وهي خطوات تعكس تحولات كبيرة في سياسة مصر الخارجية والعلاقات الإقليمية. هذه المناورات ليست مجرد أحداث عابرة بل تمثل مؤشراً واضحاً على رغبة مصر في تنويع شركائها الدوليين، وانعكاساً للتوازن الدولي الذي يجد تعبيرات مختلفة في كل بقعة من هذا العالم. تأتي هذه الخطوات كجزء من استراتيجية مصر في الحفاظ على سيادتها وحماية مصالحها الوطنية، تعكس مرحلة جديدة من إعادة تشكيل النظام الإقليمي، حيث تسعى الدول إلى تحقيق مصالحها الوطنية في ظل تغيرات دولية كبرى.

المناورات المصرية الصينية: «نسور الحضارة»

 

أجريت المناورات الجوية المشتركة بين القوات الجوية المصرية والصينية لأول مرة في تاريخ البلدين تحت اسم «نسور الحضارة 2025»، حيث استمرت هذه المناورات بين منتصف نيسان وحتى الأول من أيار. تضمنت المناورات استخدام أحدث الطائرات والمعدات العسكرية الصينية، بما في ذلك طائرات النقل العملاقة Y-20 التي يمكنها حمل 66 طناً من المعدات، بالإضافة إلى طائرات الإنذار المبكر KJ-500 التي تتمتع بقدرات متقدمة لتتبع ما يصل إلى 60 هدفاً في وقت واحد ضمن مساحة تتجاوز 470 كيلومتراً مربعاً والتي تشارك لأول مرة في مناورات عسكرية خارج حدود جمهورية الصين الشعبية.

 

هذا التعاون يعكس رغبة مصر في اختبار الأسلحة الصينية الحديثة تمهيداً للحصول عليها، خاصة الطائرة المقاتلة J-10C التي تعتبر منافسة قوية للطائرات الأمريكية F-16.  كما أن هناك احتمالات بدخول مصر في صفقات عسكرية طويلة الأمد مع الصين، بما في ذلك الحصول على الطائرات الشبحية مثل J-35 وJ-31، أو من خلال تطوير الصناعة العسكرية بشكل مشترك كما حصل بين الصين وباكستان لتصنيع طائرات J-10 ضمن باكستان. هذا النهج يأتي في إطار سعي مصر للاستفادة من التكنولوجيا الصينية دون الوقوع تحت ضغوط سياسية أو شروط صارمة، وهو ما يحدث غالباً في التعاملات العسكرية مع الولايات المتحدة.

 

المناورات المصرية الروسية: «جسر الصداقة»

 

في سياق موازٍ، أجرت مصر وروسيا مناورات بحرية مشتركة في البحر المتوسط تحت اسم «جسر الصداقة». هذه المناورات، التي وصفت بأنها تهدف إلى تعزيز التنسيق الثنائي وتبادل الخبرات، جاءت بعد محاولات سابقة لم تكلل بالنجاح بسبب العقوبات الغربية على روسيا، والتي أعاقت صفقات كبيرة مثل شراء طائرات سوخوي Su-35 ومع ذلك، فإن العلاقات العسكرية بين البلدين لا تزال تتطور، مما يعزز مكانة مصر كشريك استراتيجي مهم لموسكو في المنطقة.

 

الأبعاد الاستراتيجية للتعاون المصري الصيني والروسي

 

ما يميز هذه المناورات هو أنها تأتي في وقت يتسم بتغيرات كبيرة على الساحة الدولية، بما في ذلك التوترات بين الغرب وروسيا والصين، فضلاً عن التحديات الإقليمية المرتبطة بالملفين النووي الإيراني والفلسطيني، والتحديات الإقليمية المجاورة لمصر كالملف الليبي والقرن الأفريقي والبحر الأحمر. من خلال هذه المناورات، تسعى مصر إلى تحقيق عدة أهدف:

أولاً: تنويع الشركاء الدوليين. فبعد سنوات من الاعتماد على الغرب كمصدر رئيسي للأسلحة والتكنولوجيا، بدأت مصر في البحث عن بدائل تضمن لها حرية أكبر في اتخاذ القرارات السيادية.

ثانياً: تعزيز الاستقلالية الدفاعية. من خلال التعاون مع الصين وروسيا، تهدف مصر إلى تقليل مخاطر الابتزاز السياسي الذي قد تتعرض له عند التعامل مع الولايات المتحدة.

ثالثاً: بناء شراكات استراتيجية جديدة. تشير هذه المناورات إلى رغبة مصر في الانخراط بشكل أعمق مع القوى الصاعدة مثل الصين، التي أصبحت الشريك الاقتصادي الأول لها.

رابعاً: على الرغم من أن مصر أكدت في عدة مناسبات أنها لا تستهدف أي جهة في هذه المناورات إلا أن هذه المناورات شهدت تغطية وتحليلاً خاصة في الصحف «الإسرائيلية» التي لم تستطع إخفاء تخوفها من كسر التفوق العسكري التقليدي الذي تمتعت به قواتها الجوية لفترات طويلة.

 

بيان الجنرال كوريلا وتحليل الوضع الإقليمي

 

في سياق موازٍ، زار الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، عدة دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن، وقطر، والإمارات، والسعودية، وقادة الجيش اليمني، وكذلك الكيان الصهيوني. في بيانه، وصف كوريلا كل دولة بكلمات دقيقة تعكس طبيعة العلاقة بين واشنطن وهذه الدول:

  • «إسرائيل»: «شريك موثوق».
  • الأردن: «شريك استراتيجي ثابت وموثوق به للسلام والاستقرار في المنطقة».
  • قطر: «شريك متمكن ومستعد في المنطقة لأكثر من خمسة عقود».
  • الإمارات: «تم الاعتراف بها كواحدة من شريكين رئيسيين للدفاع في الولايات المتحدة»، في إشارة إلى الشريك الرئيسي الأول وهو الكيان الصهيوني.
  • السعودية: «التزام متبادل بمعالجة التهديدات الإقليمة».

 

تأتي زيارة الجنرال كوريلا وبيانه ضمن الجهود الأمريكية لتعزيز التحالف العسكري وزيادة التشغيل البيني بين القوات المسلحة لهذه الدول والكيانات، وصولاً لحد الاندماج العسكري والأمني لهذا التحالف. مع الانتباه إلى وضع المملكة العربية السعودية ضمن هذه الجهود وتميزها عن القوى الأخرى بـ«الالتزام المتبادل»، فيما يبدو استثناء يوضح عدم موافقة السعودية بشكل كامل على مساعي واشنطن. وعلى الصعيد الآخر إقليمياً، يبدو أن مصر تتبنى مساراً مستقلاً إلى حد كبير، حيث تسعى لبناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى دون الانحياز الكامل لأي طرف.

 

ختاماً

 

تمثل المناورات المصرية الصينية والروسية نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية المصرية، حيث تعكس رغبة القاهرة في تنويع شراكاتها الدولية وتحقيق استقلالية أكبر في قراراتها الدفاعية والسياسية. وفي الوقت نفسه، تشير تصريحات الجنرال كوريلا إلى استمرار الجهود الأمريكية لتعزيز تحالفاتها التقليدية في المنطقة، لكنها تكشف أيضاً عن وجود تمايز واضح بين بعض الدول، مثل مصر والسعودية، التي تبدو أقل اندماجاً في المشروع الأمريكي.

إن الاستثمار المصري في العلاقات مع الصين وروسيا ليس عسكرياً فقط، بل يشمل أيضاً الجوانب الاقتصادية والسياسية، مما يجعل هذه العلاقات أكثر شمولية واستدامة. ومع استمرار التحولات الإقليمية والدولية، ستظل مصر في موقع استراتيجي يمكنها من لعب دور محوري في تشكيل مستقبل المنطقة.