المأزق الوجودي للاحتلال ومغامرته في «عشّ الدّبابير»
جاء العدوان الصهيونيّ الجديد على جنين مدينةً ومخيّماً وما يلاقيه من مقاومة بطولية من الشعب الفلسطيني لدرجة أنّ كلّ الآلة الحربية المسعورة جوّاً وبرّاً وبالمسيّرات والتكنولوجيات السيبرانية، وقفت بكل معنى الكلمة عاجزةً عن دخول «حارة» في جنين مثل «حارة الدمج» وغيرها بسبب استبسال المقاومة وإيلامها العدوّ بالكمائن والخسائر البشرية التي لمّا يعترف بها جميعها بعد. هذا فضلاً عن إسناد جنين في باقي بقاع فلسطين بعدة تحركات وإضرابات واشتباكات وعمليات فدائية ولا سيّما عملية الدهس والطعن في تل أبيب التي أوقعت 10 إصابات نصفهم بحال الخطر، مما أحرج مباشرةً الهدف المعلن للعدو من العملية الزاعمة قدرتها على إنهاء العمليات الفدائية والمقاومة.
ويتزامن التصعيد في جنين والضفة، مع العمليات الإرهابية والاعتداءات «الناتوية» المقادة من المركز الفاشي الأنكلوساكسوني، في عدة بقاع في العالم ومنها في أوكرانيا وما تتعرض له من هزائم، والكيان الصهيوني من أبرز رؤوس حراب هذه الفاشية القديمة/المتجددة ويعبر في مستوى إجرامه الحالي عن محاولة يائسة لحماية نفسه من عواقب التغييرات الكبيرة دولياً وإقليمياً التي تعصف بالعالم اليوم ضدّ المصالح الأمريكية-الصهيونية ومع المصالح التحرّرية للشعوب.
العدوان الذي بدأ فجر الإثنين 3 تموز الجاري استمر ليوم ثانٍ الثلاثاء، قبل انسحاب قوات الاحتلال بعد مقاومة شرسة، وكان التصعيد غير مسبوق منذ سنوات، وجاء بعد أسبوعين من اقتحام المخيم في 19 حزيران الماضي، والذي تلاه الأسبوع الماضي اجتماع المستوى السياسي والأمني للكيان لإعطاء الموافقة والقرار من حكومة نتنياهو على العمل العسكري العدواني بوتيرة أعلى، وبضوء أخضر أمريكي فضح نفسه عندما أعلن أنّ العملية تأتي ضمن «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس».
ويمكننا مقارنة زيادة تعزيزات العدوان الجديد على جنين مقارنة مع عدوان 19 حزيران، حيث ارتفع عدد الآليات البرية المقتحمة هذه المرة إلى أكثر من 150 أو ما لا يقل عن 1500 جندي صهيوني بحسب بعض التقديرات، في المقابل كان العدوان السابق بـ 100 آلية برية ونحو 1000 جندي. كما وتزامن هذه المرّة العدوان الجويّ بالقصف بالطيران الحربي والمسيّرات مع الاقتحام البرّي وذلك لأول مرة منذ سنوات، فضلاً عن طول العملية ليومين، وارتقاء 13 شهيداً وأكثر من 100 جريح، وسط إيغال الاحتلال في إجرامه عبر منعه دخول سيارات الإسعاف لإنقاذ الضحايا.
مقاومة باسلة بوجه الآلة الحربية الصهيونية
رغم استقدام الاحتلال التعزيزات الكبيرة البرية والجوية والاستخبارية التي ذكرناها أعلاه، واشتراك عدد من وحدات أجهزة متخصصة ومختلفة في جيش الاحتلال وقواته الخاصة ومخابراته في العدوان على جنين، غير أنّه لم يستطع إبقاء جنوده على الأرض في مأمن من المقاومين الأبطال الذين استطاعوا حتى محاصَرة مُحاصريهم في بعض الأزقة والمباني داخل المخيّم وإيقاع عناصر من قوات الاحتلال في كمائن محكمة، تم خلالها الإعلان أيضاً عن استخدام عبوات متفجرة ضخمة بعضها يستخدم لأول مرّة لإعطاب آليات الاحتلال وإلحاق خسائر بشرية في صفوفه. ومع أنّ الاحتلال لا يبدو أنه اعترف حتى الآن بتفاصيل خسائره في هذه المعركة، ولكن تجدر بالملاحظة أن وسائل إعلام «إسرائيلية» كانت بدأت عصر الثلاثاء التمهيد للإعلان عن قرب انسحاب جيش الاحتلال حيث ذكرت أن هذا الأخير يوصي المستوى السياسي بإنهاء العملية في جنين وأن رئيس الوزراء نتنياهو ووزير حرب الاحتلال يوآف غالانت يعتقدان أنّ «هذه هي النقطة المناسبة لإنهائها»، ليتبع ذلك بساعات قليلة انسحاب قوات الاحتلال ولكن استمرت نيران المقاومة الفلسطينية بملاحقتها وإطلاق النار على آلياتها، في مشهد يبرهن على إخفاق أهداف العدو المعلنة من العملية، فضلاً عن تأكيد مقتل جندي للاحتلال في كمين ساهمت فيه عدة مجموعات مقاومة متنوعة داخل جنين ومخيمها، والتي أظهرت وحدة متميزة في التصدي للعدوان، وسط احتضان شعبي لافت.
العدوان الجديد وإحباط الكيان من تعثّر التطبيع
تجدر بالملاحظة ردود أفعال المطبّعين مع الاحتلال والمنسّقين معه أمنياً. سلطة أوسلو، وعدا عن بيانات الشجب والإدانة ومناشدة الأمم المتحدة وأمريكا، كان لافتاً بعد العدوان على جنين اعترافها بفشل اجتماعات العقبة والنقب السابقة مع الاحتلال، وكررت كما جرت العادة بعد عدة عدوانات صهيونية سابقة «وعيدها» بأنها سوف توقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. وقبل العدوان الحالي على جنين، كان ملحوظاً تأجيل متكرر أربع مرات لقمة جديدة بشأن التطبيع كان مزمعاً عقدها في النقب، وبحسب المخطط له كان يفترض أن تكون قمة كبيرة الأهمية بالنسبة للاحتلال والنهج التطبيعي، وذلك لأن غرضها المعلن أن تكون إطاراً جامعاً للأنظمة المطبعة مع الكيان والولايات المتحدة لتنسيق الجهود الأمنية والسياسية والاقتصادية بينها.
فإذا أضفنا ذلك أيضاً إلى المواقف السعودية مؤخراً التي تعطي إشارات بعدم استعداد المملكة للتطبيع، قد يساعدنا ذلك أيضاً في الشعور بتعمّق مأزق الكيان وإحساسه بالفشل والإحباط في هذا الملف أيضاً مما يدفعه إلى مزيد من التوتر والتصعيد و«الانتقام» من الشعب الفلسطيني.
فشل أهداف العدوان باعتراف صحافة الاحتلال
كشفت الصحف «الإسرائيلية» الأربعاء تفاصيل إضافية عن إخفاق الكيان منها:
بحسب صحيفة «إسرائيل اليوم»: تبيّن أنه لا يمكن استئصال النضال في جنين بيومين فقط. وأضافت الصحيفة نفسها تزامن "معركة على الجبهة في الضفة، وأخرى في الجبهة الداخلية بتل أبيب!".
وبحسب "هآرتس" وجد جيش الاحتلال صعوبة بالوصول إلى كل الأسلحة في مخيم جنين. وتم التقليل التوقعات من نتائج العملية.
وانتقدت يديعوت أحرونوت تعرض الاحتلال لعملية فدائية في تل أبيب في ذروة العملية العسكرية في جنين.