من المستفيد من التصعيد في موضوع اللاجئين؟
ريم عيسى ريم عيسى

من المستفيد من التصعيد في موضوع اللاجئين؟

بدأت مشكلة اللاجئين السوريين بعد فترة وجيزة من بدء الأزمة السورية في 2011، وتفاقمت بسرعة كبيرة منذ ذلك الحين. وفق آخر الإحصاءات الرسمية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فاق عدد اللاجئين السوريين المسجلين في دول الجوار 5,3 مليون، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك؛ فهنالك أعداد لم تحسب لأنها ليست مسجلة رسمياً، ناهيك عن أعداد أكبر ممن هم واقعياً لاجئون ولكن لم يسجلوا أنفسهم كذلك، إضافة للملايين الأخرى التي لجأت في أصقاع الأرض الأخرى.

ومع تفاقم هذه المشكلة وبالأخص بالترافق مع الظروف الاقتصادية السيئة والأزمات المركبّة الأخرى التي تعصف بمعظم – إن لم يكن جميع – دول الجوار، أصبحت مشكلة اللاجئين السوريين سلعة سهلة للابتزاز والتراشق السياسي داخل هذه الدول وبين الدول، وحتى من قبل الأطراف السورية وبالتحديد من المتشددين بينهم.

لا يمكن لأي أحد إنكار الجانب الإنساني من مشكلة اللاجئين، وبالتالي الحاجة إلى حلول إنسانية لعدد من جوانبها وتداعياتها الآنية، ولكن حرَص أولئك الذين استخدموها، لتحقيق مكاسب أو كورقة للمزاودة والابتزاز، على إظهارها على أنها مشكلة إنسانية بحتة أو على تسليط الضوء على جوانب منها بعيداً عن جذورها الحقيقية، في محاولة لتغطية ذلك فيما يخدم استخدامها كأداة لتحقيق مكاسب أخرى.

ما يجب إدراكه والتذكير به دائماً هو أن مشكلة اللجوء، كما كثير من الملفات التي يتم تقديمها على أنها ملفات إنسانية بحاجة إلى حلول إنسانية، هي مشكلة لا حل «إنساني» لها، بل حلها سياسي واقتصادي-اجتماعي.

تطرقت قاسيون سابقاً في الكثير من المواد إلى هذا الموضوع ومنذ بداية ظهور مشكلة اللاجئين وبالأخص في تلك المفاصل التي تم استخدام الملف فيها بأساليب تسعى إلى تحقيق أهداف لا تصب في حل المشكلة لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس، تهدف إلى تعميق الأزمة ووضع معوقات إضافية في الطريق إلى الحل السياسي.

وما يمكن لحظه وحتى توقعه، هو أنه كلما كان هنالك عمل لتهيئة الظروف بشكل أفضل للمضي قدماً باتجاه الحل السياسي وتطبيق القرار 2254، كلما زادت الجهود المبذولة في تعويم الملفات التي يمكن استخدامها لعرقلة الحل، وبالأخص الملفات الإنسانية، وبطرق وأساليب لا تمت لمعالجتها بصلة.

قالت قاسيون في مادة نشرتها في حزيران 2018: «لقد أصبحت قضية اللاجئين تلك السّنارة التي تصطاد بها دول اللجوء دوراً في الحرب السورية، إن كان في تأجيجها أو إخمادها أو في إعادة الإعمار. على اعتبار أن هذه الحرب كما يبدو هي الدجاجة التي تبيض ذهباً على كل من يتدخل في تلابيبها (ما عدا جماهير السوريين الذي يقع عليهم النهب والسرقة لتغذية هذا البيض). دون أن تسعى إحدى هذه الدول بشكل جدي إلى إيجاد حل جذري للمشكلة، والتي تكمن في العمل على دفع العملية السياسية إلى الأمام، وتطبيع الأوضاع في البلاد، الأمر الذي من شأنه ألّا يوقف قضية النزوح والهجرة فقط، بل عودة الكثير منهم طواعية».

مشكلة اللاجئين الأخيرة

من هنا يمكن البدء بالنظر إلى آخر المستجدات في هذا الملف، حيث عاد موضوع اللاجئين السوريين في لبنان إلى الواجهة وبشكل كبير، رافقه تصعيد داخلي وخارجي كبير. وكما في المرات العديدة السابقة، استغلت عدة أطراف هذا الموضوع وبالأخص إعلامياً، ومن بينهم المتشددون في الأطراف السورية، بالإضافة إلى الأطراف المختلفة في لبنان، ودول أخرى إقليمية وغربية.

عند النظر إلى ما يحصل، لا يوجد على المستوى الداخلي اللبناني ما يبرر الوتيرة العالية والتصعيد الذي يرافق إعادة فتح هذا الملف بالطريقة التي يتم فتحه بها هذه الأيام؛ أي بالطريقة التي تبدو «ابتزازية» أكثر من أي شيء آخر؛ إذ ليس جديداً تذرع سياسيين لبنانيين بأنّ الكارثة الاقتصادية للبنان سببها اللاجئون السوريون، في حين إنّ ما يكفي من الدراسات قد دلل على أن هؤلاء اللاجئين بالذات، هم أحد أساسات القليل المتبقي من إنتاج حقيقي في لبنان، سواء في الزراعة أو في مختلف الورش والصناعات الصغيرة... ناهيك عن حجم المساعدات المتدفق باسم اللاجئين السوريين على لبنان، والذي لا يصل منه لهؤلاء اللاجئين إلا النزر اليسير.

على سبيل المثال لا الحصر؛ مولت الأمم المتحدة عدة برامج لإعادة تأهيل بعض المرافق الأساسية في البنية التحتية في مناطق متعددة من لبنان، (تمديدات صحية عامة ضمناً)؛ وكان يستلم هذه التعهدات متعهدون محسوبون على أطراف سياسية لبنانية. العمال بطبيعة الحال جميعهم تقريباً سوريون. اليومية المخصصة للعامل من الأمم المتحدة هي 20 دولار، وما كان يستلمه العامل السوري في هذه المشاريع فعلياً هو 100 ألف ليرة لبنانية (يوم كان الدولار بحدود 30 ألف ليرة لبنانية)، أي قرابة 3 دولارات من أصل 20...

في المثال السابق، فإنّ العامل السوري هو دجاجة تبيض ذهباً لتلك القوى نفسها التي تصرخ اليوم إنّ سبب الأزمة هو العامل السوري واللاجئ السوري...

التوقيت

وإذاً يبرز مرة أخرى سؤال التوقيت. أسهل الإجابات هي القول إنّ أطرافاً سياسية لبنانية وفي إطار الصراع والأزمة الداخلية اللبنانية، تحاول إزاحة التركيز عن مشكلاتها وفسادها نحو اتجاهات أخرى، وهذا ربما يكون صحيحاً إلى حد ما، لكنه وحده لا يمكن أن يفسر الحجم غير المسبوق من التطبيل الإعلامي بالمسألة، بل وأهم من ذلك الإجراءات على الأرض، بما فيها من مداهمات ومضايقات.
إذا نظرنا إلى طريقة تطور الأحداث الخاصة بسورية خلال الأشهر القليلة الماضية، يمكننا أن نرى الاتجاهات التالية:
1- استمرار عمل أستانا نحو تسوية سورية تركية بالضد من الإرادة الأمريكية، وتقدم هذا العمل.
2- عودة سورية إلى الجامعة العربية بدور قيادي من السعودية ومصر، وبالضد من الإرادة الأمريكية.
3- ارتفاع احتمال التنسيق بين الدول العربية الأساسية وخاصة السعودية، ومسار أستانا لتأمين الظرف اللازم لحل الأزمة السورية وفقاً للقرار 2254 وبغض النظر عن الإرادة الغربية.

ضمن هذه الإحداثيات، فإنّ على الولايات المتحدة أن تشغل كل أدواتها المضادة، بما في ذلك الضغط المباشر على سورية وعلى كل الأطراف الساعية إلى الحل عبر أدواتها داخل سورية وفي بلدان الجوار.

نرى ذلك واضحاً في التهديد الأردني بعمل عسكري في سورية، والذي يبدو أنه بدأ بجولة تجريبية منذ أيام. وكذا بالابتزاز عبر مسألة دفع اللاجئين السوريين في لبنان نحو الداخل السوري. وليس منفصلاً عن ذلك الرأي السائد الذي يجري ترويجه في إعلام المتشددين السوريين والقائل إنّ سورية ليست مستعدة لاستقبال اللاجئين السوريين.

هذه الإحداثيات مجتمعة، يمكن أن تضع المسألة في نصابها الحقيقي... وينبغي التوقع أنّ مختلف الملفات التي يمكن العمل على التعطيل من خلالها، وليس فقط مسألة اللاجئين، سيتم رميها على الطاولة في القريب العاجل... ما يجعل من تسريع عمل أستانا وتسريع التوافق بين أستانا والدول العربية الأساسية مخرجاً وحيداً يضمن عدم الانزلاق مجدداً إلى هاوية سحيقة من الدمار الإضافي الذي يعمل عليه الأمريكان ومعهم بطبيعة الحال الصهاينة...