إيقافُ الحرب ــ إيقافُ اللجوء والهجرة
تعتبر قضية اللاجئين إحدى التحديات الجديدة، المطروحة على طاولة البحث في العديد من المؤتمرات الدولية، وبالأخص تلك الدول التي «استضافت» اللاجئين، على أراضيها، مثل: الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي.
تشهد بلدان الجنوب ومنذ عقود، موجات هجرة متلاحقة، تخفت وتزداد طرداً، مع تعمق الانقسام الطبقي على المستوى الدولي، فكلما زاد تركز وتمركز الثروة في الشمال، كلما ازدادت الهجرة من الجنوب، لتأخذ بذلك أحد أشكال «التحايل» على توزيع الثروة، والتبادل اللامتكافِئ بين الدول المركزية، ودول الأطراف، في ظل التقسيم الدولي للعمل.
تعتبر قضية اللجوء والهجرة عموماً، وعبر التاريخ إحدى السمات الناتجة عن- والملازمة للأزمات الكبرى، وما ينتج عنها من حروب، وتدمير القوى المنتجة، ومنها: البشرية، فهي مسألة مشتقة، وبالتالي: إن ما يسمى بالحلول الإنسانية، وإن كانت تحلّ بعض القضايا آنياً، فإنها تؤسّس لمشكلات وقضايا جديدة على الدوام. وعليه، فإن الحلول الحقيقية لهذه الظاهرة، تكمن في معالجة مقدماتها، وليس بذرف دموع التماسيح على المهاجرين. نريد القول: إن المسألة هي اقتصادية- اجتماعية وسياسية، تخص دول المهاجرين، ودول اللجوء في الوقت نفسه.
بعد تفاقم هذه المشكلة في السنوات الأخيرة، في ظروف الأزمات التي تعصف بالعديد من بلدان الأطراف، ومنها بلادنا، أصبحت مادة للمزاودة، والابتزاز، والتجاذب السياسي، سواء كان داخل البلد الواحد، أو بين دولة وأخرى.
حاول العقل الإستراتيجي الأوروبي، متكئاً على نزعة الأنسنة حل جملة من التحديات الإستراتيجية التي فرضها تطور الرأسمالية بنموذجها النيوليبرالي، على المجتمعات الأوروبية، حيث الخلل في الهيكيلية العمرية، وتناقص الفئة الشابة، ولا يخلو الأمر من محاولات تمييع الصراع الاجتماعي في ظل اضطرار حكومات هذه البلدان إلى الحد من فرص «الرفاه» الوهمي، والوفرة النقدية، حيث تنامى دور التيارات الشعبوية التي ترى سبب مشاكل بلدانها في مسألة اللاجئين، ليس إلا.
وبسبب التصاق قضية اللجوء بالسوريين كجزءٍ مُكونٍ من هذه الحرب، أصبحنا نعرف الكثير عن بلدان اللجوء وكيفية اللجوء وغيره من المعلومات التي لم تكن تهم السوري سابقاً.
ومن الملفت للنظر في الفترة الأخيرة، أن أنواعاً شتى من العزف على وتر اللجوء أخذت بالظهور، وتم استخدامها في كل بلدان الشتات التي لجأ إليها السوريون.
فمن استغلال قضية اللاجئين في توتير وتأجيج التيارات اليمينية المتطرفة في عدد من الدول الأوروبية وغيرها، تبدأ في فرنسا وألمانيا ولا تنتهي في لبنان.
إلى استغلال القصص الإنسانية من «ماما ميركل» تلك الصورة الضرورية للرأسمالية «الأليفة» عالية الإنسانية، وصورة العالم المتحضر الذي يجري استعماله أحياناً في الثنائية الوهمية المتعلقة بالغرب الكافر والشرق المؤمن.
لقد أصبحت قضية اللاجئين تلك السّنارة التي تصطاد بها دول اللجوء دوراً في الحرب السورية، إن كان في تأجيجها أو إخمادها أو في إعادة الإعمار. على اعتبار أن هذه الحرب كما يبدو هي الدجاجة التي تبيض ذهباً على كل من يتدخل في تلابيبها (ما عدا جماهير السوريين الذي يقع عليهم النهب والسرقة لتغذية هذا البيض).
دون أن تسعى إحدى هذه الدول بشكل جدي إلى إيجاد حل جذري للمشكلة، والتي تكمن في العمل على دفع العملية السياسية إلى الأمام، وتطبيع الأوضاع في البلاد، الأمر الذي من شأنه ألّا يوقف قضية النزوح والهجرة فقط، بل عودة الكثير منهم طواعية.