تفجير القدس المزدوج: تحوّل نوعي لمقاومة شعبٍ على أبواب انتفاضته الثالثة

تفجير القدس المزدوج: تحوّل نوعي لمقاومة شعبٍ على أبواب انتفاضته الثالثة

تأتي عملية المقاومة الفلسطينية بالتفجير المزدوج في القدس، الأربعاء 23 تشرين الثاني الجاري، الذي قتل فيه «إسرائيلي» على الأقل مع جرح قرابة عشرين آخرين، بشكل زلزال غير مسبوق منذ سنوات طويلة، لتشكل تحوّلاً نوعيّاً جديداً لن يكون ما يليه كما سبقه. وما زال الاحتلال عاجزاً حتى عن الإمساك بطرف خيط ذي جدوى للوصول للمنفّذين، يحفظ به ماء وجه منظومته الأمنية التي مُرِّغَ أنفها مجدداً، كما جاءت العملية عبر عبوات يتم تفجيرها عن بعد وفي مكانين بشكلٍ منسّق، وباعتراف الاحتلال، ليدلّ على تنظيمٍ عالٍ في التصميم والتحكم والتنفيذ، ما جعل العدو ومستوطنيه حتى الآن بحالة ذعر متواصلة على طول الأيام الثلاثة الماضية؛ التي شهدت على سبيل المثال قيام مستوطن بقتل مستوطن آخراً رمياً بالرصاص شرق القدس يوم الخميس، بسبب ما قيل في البداية إنّه رعبه من أن يكون فلسطينياً يريد تنفيذ عملية، قبل أن يغيّر الاحتلال رواية السبب، كما وردت مئات الإنذارات حول «أجسام غريبة» في القدس لوحدها، مع هروب جماعي للمستوطنين من مركز تسوّق يوم الجمعة، للاشتباه بوجود «عبوة»، ليتبين أنّه «إبلاغ كاذب»، ليبقى الصادق والحقيقي والمؤكّد هو نجاح المقاومة ببث الذعر في فرائص الاحتلال.

العبوة الأولى انفجرت حوالي الساعة السابعة صباح الأربعاء 23 تشرين الثاني/نوفمبر في محطة حافلات بالقدس المحتلة، وبعد نصف ساعة تم تفجير العبوة الثانية بالقرب من محطة حافلات أيضاً عند مفترق راموت بالقدس. وقالت بعض مصادر الاحتلال بأنّ العبوتين تشبهان بعضهما وتحتويان مواد متفجرة وآلاف المسامير وتم تفجيرهما عن بعد باستخدام أجهزة خلوية.

ووصف وزير الأمن الداخلي للاحتلال، عومر بارليف ما حدث بأنه «هجوم مركّب ومعقّد في ساحتين، والذي يبدو أنه نتيجة بنية تحتية منظّمة».

وكان لافتاً أنّ الأمر لم يتوقّف على زرع عبوتين، فمصادر الاحتلال كشفت أنّ التفجير كان من الممكن أن يكون ثلاثياً لولا اكتشاف عبوة ناسفة ثالثة في ليلة الثلاثاء التي سبقت التفجيرين صباح الأربعاء، وذلك على مسار القطار الخفيف في القدس قرب منطقتي التفجيرين. وهذا التفصيل المهم يدلّ على فشل استخباراتي إضافي للاحتلال، لأنّه لم يفشل فقط بالحؤول دون التفجيرين، بل وبهذا المعنى لم يكونا «مفاجئة» بكامل المعنى بقدر أنّ ما حصل هو أنّ الاحتلال كان أبطأ من مبادرة المقاومة، إذْ كانت أجهزة أمنه لديها وقت بين اكتشافها العبوة التي لم تنفجر منذ ليلة الثلاثاء وبين انفجار العبوتين صباح الأربعاء لكنها أخفقت رغم الإنذار الذي شكّله اكتشاف عبوة الثلاثاء.

ويأتي تفجير القدس المزدوج بعد 3 أسابيع من انتخابات كنيست الاحتلال بداية شهر تشرين الأول الجاري الذي أوصل أحزاباً وشخصيات صهيونية، لا نقول أكثر تطرّفاً وفاشية (لأنّ الكيان كلّه كذلك)، بل بشكل أدقّ أكثر تهوّراً، وبأغلبية 64 مقعداً في الكنيست، مع تصريح الرئيس السابق لاستخبارات جيش الاحتلال، تامير هيمان، الخميس، بأنّه يتوقّع أنّ «الانتفاضة الثالثة ستكون ذات مميزات لم يسبق لها مثيل»، وأن «المؤشرات التي تدل على احتمال اندلاع الانتفاضة تظهر للأعين ومن غير الممكن تفويتها».

وفي الوقت الذي ما تزال فيه أوهامٌ لدى بعض أوساط الاحتلال، وعلى ما يبدو لدى القيادة العالمية للحركة الصهيونية، بأنّ إيصال حكّام أكثر تهوّراً لمواقع صناعة القرار في كيان الاحتلال يمكن أن يقضي على مقاومة الشعب الفلسطيني أو يلجمها، تأتي النتائج على الأرض بعكس هذا الوهم الصهيوني تماماً، لدرجة بروز أوساط داخل الكيان عبّرت صراحةً عن الرعب الاستباقي من ردود أفعال المقاومة على التهوّر العدواني القادم من تركيبة حكومة الاحتلال الجديدة، فأعربت بعض الأصوات في إعلام الاحتلال بأنّه من المستحيل القضاء على ملايين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ومن المستحيل جعلهم «يحبّون إسرائيل» بمجيء نتنياهو وبن غبير.

كذلك أكد تامير هيمان، على العكس بأنّ مزيداً من القمع الصهيوني سيأتي بنتائج عكسية ويسرّع الانفجارات بوجه الاحتلال، معبراً عن ذلك بالقول إنّ «حملة عسكرية (إسرائيلية) في منطقة الضفة الغربية ستؤدي إلى تقصير الطريق التي ستقود بالتالي إلى مواجهة عسكرية لا يريدها أحد» بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن «الساحة الفلسطينية تزداد سخونة كثيراً وأكثر مما يتصوره السواد الأعظم من الجمهور».

يأتي ذلك بالتزامن مع اتفاق جديد تم توقيعه الجمعة 25 تشرين الثاني، بين حزب اللكود بزعامة نتنياهو مع حزب «القوة اليهودية» بزعامة إيتمار بين غبير،  يتم بموجبه ضمّ هذا الأخير للحكومة «الإسرائيلية» التي يعمل نتنياهو على تشكيلها، مع منح بن غبير منصب وزير الأمن الداخلي بصلاحيات واسعة لما سيصبح اسمها «وزارة الأمن القومي» وسيكون بن غبير عضواً في المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، وكذلك تضمّن الاتفاق إنشاء ما يسمى «حرس وطني» صهيوني لقمع الفلسطينيين في الداخل، مما يعني أننا قد نشهد في الفترة القادمة تصاعداً جديداً لانتفاض الفلسطينيين في أراضي 48، لأنّ هذه الخطوات الصهيونية المتهوّرة سوف تتكفّل بتسريع ذلك.

فضلاً عن ذلك مُنِحَ حزب بن غبير، وفق الاتفاق الجديد مع نتنياهو، «وزارة تطوير النقب والجليل». 

الدعم الشعبي يبشّر بمواصلة العمليات واحتضان الانتفاضة القادمة

تجدر الإشارة إلى أنّ أخبار تفجيري القدس لاقت ترحيباً كبيراً في أوساط الشعب الفلسطيني، واحتضاناً مثل احتضان الشعب للعمليات الفردية والجماعية الأخيرة أيضاً للفدائيين الفلسطينيين بأشكالها المتنوّعة من طعن ودهس واشتباك مسلّح، بدليل انتشار أخبار «توزيع الحلوى» في عدة أماكن على امتداد الجغرافية الفلسطينية في الضفة وغزة ابتهاجاً بالعملية، وهذا الأمر في غاية الأهمية في وجه نهج التطبيع والتنسيق الأمني الذي يتلقّى بدوره هزيمةً وإفلاساً، وهذا يرجّح ميزان القوى أكثر نحو أساس أكثر رسوخاً لتوحيد حقيقي للقوى الوطنية السياسية والشعبية الفلسطينية حول برنامجٍ معاصر للمقاومة والتحرير.