ماذا وراء اعتبار البرلمان الأوروبي روسيا «راعية للإرهاب»؟
بعد أكثر من مئة عامٍ، تُطاردنا أشباح عام 1914 مرةً أخرى، إذ ما زالت أوروبا تسير هائمةً في صراعٍ لا يمكن أن تنتصر فيه، وبينما يرى الغرب نفسه وبكلّ إصرار حارسًا للنظام العالميّ الليبراليّ، لم يستطع بعد رؤية ملامح النظام العالميّ الجديد.
في خطوةٍ تزيد منسوب التوتير بين موسكو والغرب، تبنّى البرلمان الأوروبي قرارًا يقضي باعتبار روسيا «دولة راعية للإرهاب»، ويدعو إلى اتخاذ إجراءاتٍ لفرض عُزلة دوليّة شاملة على روسيا، وتقليص العلاقات الدبلوماسيّة وحظر المؤسّسات الروسيّة التابعة للدولة.
على محمل الجد
أعلن البرلمان الأوروبيّ، في 23 تشرين الثاني الفائت، روسيا «دولة راعية للإرهاب»، وجاء في القرار أنّ «الهجمات والفظائع المُتعمّدة من موسكو» في أوكرانيا تنتهك حقوق الإنسان والقوانين الإنسانيّة الدوليّة، حيث وافق أعضاؤه على القرار بأغلبية 494 عضوًا مقابل 58 ضده وامتنع 44 عن التصويت، وذلك ضمن السياسة الغربيّة «لعزل روسيا» وتقليص العلاقات الدبلوماسيّة معها إلى الحد الأدنى بالإضافة للتلويح باستخدام الأصول الروسية المُجمّدة لمساعدة أوكرانيا فضلًا عن حزمة العقوبات التاسعة وفقًا لرئيسة المفوضيّة الأوروبيّة.
ردّت موسكو على قرار البرلمان الأوروبي بسبب العمليّة العسكريّة في أوكرانيا بأنّه «لا يمت بصلة» لمكافحة الإرهاب و«خطوة غير ودّية» وجزء من «حملة يشنّها الغرب ضد بلادنا»، فمحاولات اتهام روسيا بـ «إرهاب الدولة» بدأت قبل وقت طويل من العمليّة العسكريّة الخاصّة، وجاء في بيان لوزارة الخارجيّة الروسيّة أنّ القرار «لا يمت بصلة للوضع الحقيقي في الحرب ضد الإرهاب الدولي»، كما ذكّرت الوزارة في بيانها بأنّ روسيا اقترحت مرارًا على المجتمع الدوليّ تضافر الجهود في هذا الاتجاه، مشيرةً إلى عمليّة مكافحة الإرهاب في شمال القوقاز، إلا أنّ الغرب وفقًا للبيان «هو الذي رعى المجرمين العاملين على أراضي بلادنا، واستقبلهم، وزوّدهم بالأسلحة والذخيرة، بالتوازي مع الحملة الإعلامية بشأن الانتهاك المزعوم لحقوق الإنسان من قبل بلادنا...»، وقلّلت موسكو من أهميّة القرار كونه لا يستند أساسًا لإطار قانونيّ مُلزم، ولذلك فهي لا تأخذه «على محمل الجد».
خطأ فادح
كتب الخبير الاقتصادي الإسباني خوان توريس لوبيز في مقالٍ له لصحيفة Publico الإسبانيّة أنّ البرلمان الأوروبي ارتكب خطأً فادحًا بالاعتراف بروسيا «كدولة راعية للإرهاب»، وأشار إلى أنّ هذا القرار «جبان» و«ساخر»، فحتى الولايات المتحدة لم تجرؤ على اتخاذ إجراءاتٍ مُماثلة، إدراكًا منها لما قد يترتب عليها، ويشير الخبير إلى أنّه في الوضع حول أوكرانيا، اتخذ الاتحاد الأوروبي «أسوأ موقف»، والذي سيتحول إلى تكاليف اقتصادية تجعل المجتمع أكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة.
تأتي خطوة البرلمان الأوروبي -الموجّهة للداخل الأوروبي أولًا- والتي لا تتعدى الاستهلاك الإعلامي ضمن الدعاية الأوروبيّة-الأميركيّة ضد روسيا، بالإيحاء أنّ لدول الاتحاد رأيًا موحَّدًا ومتّسِقًا لتهدئة الشعوب الأوروبيّة التي لن تجد غازًا للتدفئة هذا الشتاء، بالإضافة لما سبق فهي تأتي ضمن سياق محاولة الاتحاد اللحاق بالولايات المتحدة تحت عباءة العقوبات، مع علمه يقينًا بأنّه لم يعد لديه قوّة اقتصادية لفرض المزيد من العقوبات ضد الاتحاد الروسي ولو بشكل رمزي، إذ تعرّض الاقتصاد الأوروبي لضربة قوية بدأت على إثرها عمليّة انتقال الثروة الهائلة من أوروبا إلى الولايات المتحدة، مما سمح لقادة الولايات المتحدة عبر إجبارها على الخضوع للعقوبات الأمريكية ضد روسيا بالحفاظ على مركزهم المهيمن بالإضافة لتبعية الاتحاد.
بينما يحاول حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا تبنّي مواقف معادية للروس والدفاع عن نظام النازيين الجدد في أوكرانيا، تدعو الدول الأخرى بشكل مضطرد للخروج عن العالم أحادي القطب الذي فرضته واشنطن ونظامها الحالي، أمّا الحرب على الإرهاب فهي آخر وهم لهذا الغرب الجماعي الذي نصّب نفسه «مجتمعًا دوليًّا»، والذي ما زال يرفض بمختلف هياكله «الرسميّة» قبول النظام العالمي الجديد ويصرّ بكل حماقة على إمكانيّة تحويل مجرى التاريخ.