كاتاسانوف: لا نصر دون نموذجٍ اشتراكي في روسيا، وسمّوه ما شئتم!
وكالات وكالات

كاتاسانوف: لا نصر دون نموذجٍ اشتراكي في روسيا، وسمّوه ما شئتم!

نشر الباحث الاقتصادي المعروف فالنتين كاتاسانوف اليوم 18/10/2022 مقالاً بعنوان حتمية التعبئة العسكرية-الاقتصادية، وتنشره قاسيون هنا، لما يعكسه من آراءٍ باتت تنتشر بشكل متسارعٍ في الأوساط الروسية المختلفة، وعلى مختلف المستويات الأكاديمية والسياسية والشعبية.

حتمية التعبئة العسكرية- الاقتصادية

تظل روسيا العقبة الأساسية أمام مسعى النخبة العالمية التي وراء الكواليس، في إنشاء سلطتها غير المحدودة على الكوكب بأسره. لم تبدأ الحرب التي تُشن الآن على أراضي أوكرانيا في 24 شباط، وليس في عام 2014. تم شن هذه الحرب ضد روسيا لعدة قرون، وكان انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 مجرد انتقالٍ إلى مرحلة جديدة من الحرب. كان الهدف الرئيسي للغرب هو تدمير النموذج الاقتصادي-الاجتماعي السابق (والذي يُعرف عموماً بالاشتراكية)، وتحويل روسيا نحو رأسمالية من النوع التابع.

عملية التحويل هذه، أدت عدة أغراض؛ أولاً: تحويل روسيا إلى موضوع استغلالٍ من قبل الغرب. ثانياً: تجريدها من سيادتها في جميع المجالات: السياسية، والثقافية، والعسكرية، والمالية، والاقتصادية. ثالثاً: تجهيز الشروط اللازمة لتقسيمها لاحقاً.

كيف نكسب الحرب؟

أصيغ تقييمي بصرامةٍ، كالتالي: العملية العسكرية الخاصة [في أوكرانيا] هي حرب مع الغرب الجماعي، ولا يمكن أن تنتهي بانتصار بلدنا، في حال حافظنا على النموذج الاقتصادي-الاجتماعي الذي فرضه علينا الغرب.

لا تكسبُ الحروبَ إلا تلك الدول القادرة على توفير التعبئة الاقتصادية. قامت دول الشمال الغني بتعبئة اقتصادية أكثر من مرة. المثال اللافت للنظر هو الحرب العالمية الأولى والثانية. ومع ذلك، تم تنفيذ هذه التعبئة في المقام الأول على حساب البلدان المستعمرة والبلدان التابعة. إن الدولة ذات النموذج الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي التابع، محرومة من فرصة إجراء تعبئة اقتصادية كاملة. لكي تفوز دولة كهذه بالحرب، من الضروري تغيير النموذج الاقتصادي- الاجتماعي.

بحكم التعريف، فالرأسمالية نفسها غير قادرة على التعبئة العسكرية الاقتصادية الفعالة، بل والدائمة. بعد كل شيء، الرأسمالية هي تعبئة مستمرة من نوعٍ مختلف تماماً؛ تعبئةٌ تسعى لتحقيق هدف جني الأرباح وتراكم رأس المال والثروة.

photo_2019-08-10_16-43-08

شرطان رئيسيان

لكي تقوم روسيا بتعبئة عسكرية اقتصادية فعالة، لا بد من تلبية شرطين رئيسيين: أولاً: عليها الخروج من التبعية للشمال الغني، أو لـ"المليار الذهبي"، أي الولايات المتحدة وحلفائها المقربين. ثانياً: عليها القضاء على العلاقات الرأسمالية داخل البلاد.

فشلت الإمبراطورية الروسية في إجراء تعبئة عسكرية اقتصادية فعالة خلال سنوات حرب القرم (1853-1856). أظهرت الإمبراطورية الروسية نفس عدم القدرة خلال الحرب الروسية اليابانية في 1904-1905. بعد دخولها الحرب العالمية الأولى، عجزت الإمبراطورية الروسية مرة أخرى عن إجراء تعبئة اقتصادية كاملة. وكل ذلك بسبب أن لديها نموذجاً اقتصادياً- اجتماعياً هو نموذج الرأسمالية التابعة.

دخل الاتحاد السوفيتي الحرب العالمية الثانية بنموذج اقتصادي- اجتماعي مختلف اختلافاً جوهرياً، يمكن أن يطلق عليه بحق النموذج التعبوي. لم يظهر هذا النموذج مباشرة بعد ثورة أكتوبر عام 1917. بعد ذلك، مرت حوالي عشر سنوات قبل أن يبدأ إنشاء مثل هذا النموذج. تم تصميمه، أولاً، لضمان الاستقلال الاقتصادي الكامل (الاكتفاء الذاتي الاقتصادي)؛ ثانياً، لإنشاء أساسٍ صناعي قويٍ للقوات المسلحة.

يمكن تقسيم الانتقال إلى نموذج جديد لروسيا إلى مرحلتين؛ المرحلة الأولى هي تحرير روسيا من التبعية الخارجية. المرحلة الثانية هي تفكيك الرأسمالية داخل البلاد.

لا يمكنك التوقف في منتصف الطريق. إن الحفاظ على العلاقات الرأسمالية سيخلق أرضاً خصبة للطابور الخامس، الذي سيسعى إلى إعادة روسيا إلى حالة الرأسمالية التابعة. إن الفكرة القائلة بأنه من الممكن والضروري زراعة وتنمية رأسمالية وطنية في روسيا هي أسطورة خطيرة للغاية؛ رأس المال بالتعريف هو عالمي، وليس له وطن. بالأحرى، لديه وطن؛ هو ذلك المكان الذي يمكنه فيه الحصول على أقصى ربح وحيث يمكنه الاحتفاظ برأس المال المكتسب في أمان نسبي. واليوم، هذا المكان هي الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان الأوفشور [offshore jurisdiction] التي يسيطر عليها الأنجلو-ساكسون.

دون الخوض في أعماق الاقتصاد السياسي، اسمحوا لي أن أذكركم بأن الربح، خاصة ذلك الذي يُستحوذ عليه من قبل الأفراد، هو سرقة. في ظل هكذا نظام، لا يمكن أن تكون هنالك تعبئة عسكرية اقتصادية، وتظل الرغبة في المال والإثراء أرضاً خصبة لزراعة الطابور الخامس. وهذه حقيقة بديهية مثل أنّ اثنين في اثنين يساوي أربعة. لكن، للأسف، فإننا لا نتخذ إجراءات لكسر هذا النظام، بل ونخشى أن نقول بصوت عالٍ إن اثنين في اثنين يساوي أربعة!

المرحلة الأولى

لقد كتبت أكثر من مرة عن الإجراءات العاجلة التي يتعين على روسيا اتخاذها في المرحلة الأولى من الانتقال إلى نموذج اقتصادي-اجتماعي جديد. سأذكر فقط الأكثر إلحاحاً.

أولاً: فرض حظر على حركة رأس المال عبر الحدود (وبالمناسبة، أسجّل أنه من المتوقع بحلول نهاية عام 2022، أن يكون قد حدث أكبر تدفقٌ قياسي لرأس المال، من روسيا إلى الخارج، طوال 30 عاماً مضت).
ثانياً: تخليص الاقتصاد الروسي من «الأوفشور». تم تسجيل العديد من الشركات الروسية المهمة من الناحية الاستراتيجية كشركات أوفشور، وهذه الأخيرة هي تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة. رفضُ الملاك والمستفيدين الروس إعادةَ تسجيل شركاتهم ضمن الولاية القضائية الروسية، وقبل موعدٍ نهائيٍ محدد، يستلزم تأميم أصول تلك الشركات.
ثالثاً: تأميم الشركات العاملة في الاتحاد الروسي والمملوكة لرأس مال أجنبي (رأس المال من قائمة الدول غير الصديقة بالدرجة الأولى).
رابعاً: فرض حظرٍ كاملٍ على عمل شركات الاستشارات ومراجعة الحسابات الأجنبية في الاتحاد الروسي، وكذلك الشركات الروسية المرتبطة بشركات الاستشارات والتدقيق الأجنبية.
خامساً: الانسحاب من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمنظمات الدولية الأخرى التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.
سادساً: الوقف الفوري لإمدادات موارد الطاقة والسلع الأخرى لتلك البلدان المدرجة في قائمة الدول غير الصديقة.
سابعاً: تخفيض البنك المركزي للاتحاد الروسي المعدل الرئيسي للفائدة إلى القيم الدنيا (2-3٪)، وإحداث زيادة حادة في الإقراض للقطاع الحقيقي للاقتصاد.
ثامناً: زيادة حادة في مخصصات الميزانية الموجهة لتلبية المتطلبات الحكومية الدفاعية (والتي، على وجه الخصوص، من الممكن والضروري أن يتم فيها التخلي عن «قواعد الميزانية» سيئة الصيت [المترجم: بدأ تطبيقها عام 2004 وجرت عليها عدت تعديلات لاحقة]).

المرحلة الثانية

دون انتظار التنفيذ الكامل لخطة العمل للمرحلة الأولى، من الممكن البدء بإجراءات تشكيل نموذج اقتصادي- اجتماعي بديل (المرحلة الثانية). العناصر الرئيسية لهذا النموذج البديل هي كما يلي:

أولاً: تحديد المعايير، وضع قائمة بالقطاعات المهمة استراتيجياً وبقطاعات الاقتصاد والمؤسسات والصناعات، وحالة كلٍ منها.
ثانياً: إدراج جميع الكيانات الاقتصادية المهمة من الناحية الاستراتيجية في القطاع العام.
ثالثاً: أي مطارحٍ أخرى للنشاط الاقتصادي، هي ملزمةٌ -متى دعت الحاجة- بالمشاركة في تنفيذ أوامر الدولة (رفض الوفاء بتلك الأوامر، أو عدم الوفاء بها، يستلزم إغلاق الشركة أو تأميمها).
رابعاً: إدخال إدارة مركزية صارمة للاقتصاد، ودمج هذه الإدارة مع الإدارة في مجال الأنشطة الدفاعية، وإنشاء نظيرٍ لمجلس العمل والدفاع (СТО) أو لجنة دفاع الدولة (ГКО) – وهي مؤسساتٌ كانت موجودة في الاتحاد السوفياتي بين 1918 و1945.
خامساً: تقليص وزارة الصناعة والتجارة الحالية، وإنشاء عدد من الوزارات القطاعية على أساسها، تتعلق في المقام الأول بالصناعة الدفاعية.
سادساً: إدخال التخطيط الموجه الشامل، ووضع الخطط بالاستناد إلى المؤشرات الطبيعية والمادية، وإنشاء هيئة تخطيط الدولة.
سابعاً: تصفية البورصات والبنوك التجارية الخاصة، وإنشاء عدة بنوك حكومية متخصصة.
ثامناً: إنشاء نظامٍ «ثنائي الدارة» للتداول النقدي. تخدم إحدى دارتيه الكيانات القانونية، والثانية تخدم الأفراد، ويحظر الانتقال الحر للأموال من الدائرة الأولى إلى الثانية.
تاسعاً: الأسعار تضبط من قبل الدولة.
عاشراً: احتكار الدولة للتجارة الخارجية واحتكارها للعملة.
حادي عشر: التمسك الراسخ بمبدأ شرعية دخل العمل وعدم شرعية الدخل من مصادر أخرى، وعلى رأسها دخل رأس المال.
ثاني عشر: تعريف واضح لحالة الربح باعتباره ذلك الجزء من النتيجة المالية لمؤسسة والذي لا يمكن أن تتم خصخصته، ولكن يجب توجيهه إلى تطوير الإنتاج والحوافز المادية للموظفين وتكوين الاحتياطيات.

نموذج التعبئة

إذا كنا لا نريد أن نقع في الفخ نفسه (على وجه الخصوص، أقصد ضعف قدرة روسيا ما قبل الثورة على تنفيذ التعبئة العسكرية والاقتصادية)، فنحن بحاجة ماسةٍ إلى استبدال النموذج الحالي للرأسمالية التابعة بالنموذج الذي كان تم إنشاؤه في الاتحاد السوفياتي بين نهايات عشرينيات القرن الماضي وحتى بدايات الحرب الوطنية العظمى [1941]. وكل شخص حرٌ في تسمية ذلك النموذج بطريقته الخاصة، لكنه يجب أن يكون نموذجاً للتعبئة.

آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 22:59