التوترات و«حسن النية»: ما مصير الاتفاق النووي الإيراني؟
مع التوترات التي يشهدها الملف النووي الإيراني مؤخراً، بدا أنّ عاماً كاملاً من المفاوضات المضنية سيذهب هباءً، فبعد أن ردّت طهران على نصٍّ أميركي قدمه منسّق الاتحاد الأوروبي لمحادثات فيينا، جوزيب بوريل، الذي أحال رد طهران بدوره إلى واشنطن مجدداً، وصفت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الرد الإيراني بأنه «غير بناء»، لكنها رغم ذلك امتنعت عن الرد رسمياً، ما أثار تكهنات إعلامية حول تأثير انتخابات التجديد النصفي الأمريكية على المفاوضات في فيينا.
أصدر الثلاثي الأوروبي (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) بياناً مشتركاً يبدو أنه أثلج صدور معارضي الملف النووي الإيراني، حيث ادعى البيان أنه «وبينما نقترب من التوصل إلى اتفاق، أعادت إيران فتح قضايا أخرى، تتعلّق بالتزاماتها الدولية الملزمة قانوناً بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاق الضمانات الذي أبرمته بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويثير هذا المطلب الأخير شكوكاً جدية بشأن نوايا إيران والتزامها بالتوصل إلى نتيجة ناجحة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة».
بدورها، تؤكد طهران منذ فترة طويلة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدت كل مصداقية بالنظر إلى توجيهها اتهامات لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية وتنبع من المعسكر المناهض للاتفاق النووي الإيراني، وأنها ببساطة أداة في أيدي الغرب، وليست هيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة.
بطبيعة الحال، فإن الجهة الأكثر استثماراً بالتوترات التي يشهدها الملف هي الكيان الصهيوني، حيث زعم رئيس وزرائه، يائير لابيد، أن التراجع في مفاوضات الملف النووي ناتج عن «الضغط» الذي مارسه هو ووزير حربه، بيني غانتس، على الولايات المتحدة لمنعها من الاتفاق مع طهران مجدداً. لكن الطريف في الأمر أن لابيد ذاته كشف عن مستوى التأزم في الوضع الصهيوني، حين عاد ليؤكد أن ما يريده لا يتعدى المطالبة بممارسة المزيد من الضغوط العسكرية على الجانب الإيراني «للوصول إلى اتفاق أفضل» من وجهة نظر مصلحة الكيان.
من جهة أخرى، يعتقد الكثير من المحللين أن ثمة قناعة لدى البعض في طهران بأن التوصل إلى اتفاق وفق الصيغة الأوروبية ليس من مصلحة الجانب الإيراني القادر على انتزاع مكاسب جديدة يوفرها التغير المتواصل في الوزن الغربي الذي يتراجع لحساب صعود القوى الدولية المناهضة للهيمنة الغربية. وكذلك، فإن الواقع الجديد، الذي تقف فيه طهران على عتبة أسابيع من الوصول إلى صفة «دولة نووية» هو وضع من مصلحة إيران التي تجد أن المكتسبات الموعودة بعد التوصل لاتفاق مع القوى الغربية تتضاءل بفعل هذا التراجع في وزن الغرب.
لكن رغم ذلك، لا تزال طهران تحرص رسمياً على إبقاء الباب مفتوحاً أمام المحاولات اللاحقة لكسر الجمود في المفاوضات، ومن ذلك ما أعلنته مؤخراً بتلقيها «رسائل حسن نية» من الجانب الأمريكي بشأن العودة للاتفاق.