ما هو موقع الشمال الشرقي السوري ضمن التقارب السوري-التركي المحتمل؟

ما هو موقع الشمال الشرقي السوري ضمن التقارب السوري-التركي المحتمل؟

تتردد هذه الأيام، وبكثافة غير مسبوقة، مقولةٌ محددة بما يخص مستقبل الشمال الشرقي السوري والقوى السياسية الموجودة فيه؛ تتلخص المقولة بأنّ تقارباً بين النظام السوري وبين تركيا إنْ حصل فإنه سيعني محاصرة تلك القوى وربما الإجهاز عليها. ويصبح الاستكمال الطبيعي لهذه المقولة هو أنّ على هذه القوى أن تتمسك بالأمريكان والغربيين لتأمين «الحماية» لنفسها، وأن تعمل ضد التقارب السوري التركي المحتمل بكل السبل الممكنة...

لما لهذه المقولة، وما يمكن أن يبنى عليها، من مخاطر، سنعالجها هنا ضمن المحاور التالية:

أولاً: ما الذي يعنيه فعلاً احتمال التقارب؟

ثانياً: ما الذي تعنيه هذه المقولة عملياً؟

ثالثاً: من وراء هذه المقولة، وما غاياته؟

أولاً: ما الذي يعنيه احتمال التقارب؟

عالجت قاسيون هذه المسألة بشكل موسعٍ خلال الفترة الماضية، وفي عدة مقالات، فيما يلي روابط أهمها: (رابط1 افتتاحية العدد 1083، رابط2 المحرر السياسي، رابط3 مركز دراسات قاسيون، رابط4 المحرر السياسي). ولكي نجمل المسألة هنا، نحاول تكثيفها بالنقاط الأساسية التالية:

  • التصريحات التركية ليست مبادرة منفردة، بل عملٌ منسقٌ ضمن مسار أستانا.
  • الوجه الأول لاستهداف هذا العمل المنسق، هو طرد الأمريكان نهائياً من سورية، وهو هدف سيتم تحقيقه ضمن آجال محددة، وأياً تكن السبل اللازمة لذلك، ووصولاً لغاية إعادة توحيد الأرض السورية.
  • الوجه الثاني لاستهداف هذا العمل، هو الذهاب نحو حلٍ سياسي حقيقي على أساس القرار 2254، أي على أساس حوار سوري-سوري، وعملية انتقال سياسي ودستور وانتخابات، وهو الطريق الذي لا بديل عنه لاستكمال وحدة الأرض بوحدة الشعب.
  • وضمناً، فإنّ هذا التوجه العام يعني أنّ ثلاثي أستانا لم يعد مقتنعاً فقط بأنّ الغرب لا يريد إنهاء الأزمة في سورية، بل وأهم من ذلك أنه بات قادراً على المضي بالحل نحو النهاية سواء شاء الغرب ذلك أم لم يشأ.
  • القول بأنّ تقارباً تركياً سورياً سيعني «تطبيعاً للأمر الواقع»، أي إبقاءً للأمور على حالها وللنظام على حاله، هو قول لا أساس له في الواقع؛ فالتقارب المعني لن يتم بشكله الفعلي إلا كجزءٍ من سلة متكاملة هي سلة الحل السياسي الشامل.
  • هذا التقارب سيعني باكتماله خروج القوات التركية من كل المناطق السورية التي تحتلها حالياً...

ثانياً: ما الذي تعنيه هذه المقولة عملياً؟

ما تعنيه هذه المقولة هو:

  • ربط مصير القوى الموجودة في الشمال الشرقي السوري بالأمريكان، وتحويلها إلى درعٍ لا لحمايتها هي، بل لحماية الأمريكان وإطالة وجودهم، وتأخير الحل.
  • ربط المصير بالأمريكان، يعني وضع كل ما استطاعت إنجازه الإدارة الذاتية على كف العفريت الأمريكي، ويعني استكمال ما بدأه الأمريكان منذ أيام جنيف حين نصحوا قوى الشمال الشرقي السوري بعدم الاشتراك في جنيف.
  • ربط المصير بالأمريكان، سيرفع احتمالات العملية العسكرية التركية التي تمكنت أستانا من منعها حتى الآن، وسيضر ذلك بمستقبل سورية أياً تكن النتيجة، وسيضر بوحدتها الوطنية، وسيوجه ضربة لحل ديمقراطي حقيقي للقضية الكردية في سورية.

الحماية الحقيقية لمستقبل الوحدة الوطنية السورية، وضمناً لحل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، يتطلب انخراطاً فعلياً في الدفع نحو الحل السياسي على أساس 2254، والطريق الوحيد المفتوح بهذا الاتجاه هو طريق أستانا، بينما الطريق الأمريكي مفتوح على الخراب وعلى مزيد من الدماء.

ثالثاً: من وراء هذه المقولة، وما غاياته؟

بالدرجة الأولى الأمريكان، وغايتهم في ذلك واضحة تماماً؛ لأنهم هم المستهدف الأول من كل تقارب إضافي بين ثلاثي أستانا، ومن كل خطوة عملية إضافية باتجاه تجفيف «المستنقع».

هنالك أيضاً المتشددون ضمن النظام والذين يبالغون في تشديد خطابهم اتجاه قسد ومسد إلى الحدود التي يكاد يتطابق فيها مع الخطاب التركي، وبذلك يدفعون ويغذون البعض ضمن مسد ممن يريد ربط مصيره نهائياً بالأمريكان. والغاية من ذلك هي تعقيد عملية التقارب السوري التركي، وتعقيد جهود أستانا، وتعقيد إخراج الأمريكان من سورية... وبكلمة تعقيد وإبعاد الانتقال السياسي.

هنالك أيضاً المتشددون ضمن المعارضة السورية، والذين بدؤوا يتحدثون علناً -وبعد أن كان دم مسد محلل لديهم- عن ضرورة التفاهم مع مسد برعاية الأمريكان... وهؤلاء خاصة ممن لم يعد لهم أي وجود فعلي، ولن يكون لهم أي وجود فعلي لاحق...

وهنالك فاسدون كبار وتجار أزمة في الشمال الشرقي السوري، ممن باتوا جزءاً من شبكات الاقتصاد الإجرامي الأسود، ويتربحون بالمليارات، ويحلمون بالحفاظ على الوضع القائم بأيّ شكل كان.

خلاصة:

التفاعل الإيجابي للقوى السياسية في الشمال الشرقي مع دفع أستانا باتجاه الحل الشامل، يعني شغلها لموقعها الذي تستحقه ضمن هذا الحل وضمن مستقبل سورية، ولا يعني قطعاً «إبادتها» كما يهمس ويجهر الأمريكان. الحماية الحقيقية للشمال الشرقي السوري، ليست قطعاً بربط المصير بالأمريكان، بل بالتعاطي الإيجابي والواقعي مع التحولات الفعلية في موازين القوى الدولية والإقليمية.

تتحمل القوى السياسية في الشمال الشرقي السوري اليوم مسؤولية وطنية كبرى، ومسؤولية اتجاه قواعدها، واتجاه السوريين الذين يعيشون في الشمال الشرقي. وعلى طبيعة المواقف الذي ستتخذها في هذه الفترة الفاصلة، ستتحدد إلى جانب مصير هذه القوى نفسها؛ الفاتورة المتبقية لإخراج الأمريكان من سورية، والتي يجب أن نجتهد كسوريين وطنيين كي تكون بالحد الأدنى، وكي تكون دون قطرة دمٍ سوريٍ واحدة إنْ أمكنْ... وما ينبغي أن يكون واضحاً هو أنّ إخراج الأتراك من كل بقعة يحتلونها في سورية، بات يمر عبر إخراج الأمريكان، وعبر الحل السياسي الشامل على أساس 2254...