كيف تشعر بسحب الدعم في ثلاثّة أيام!
بعد أن تعب والدي بشدّة، أدخلناه قسم الإسعاف في مشفى دمشق الوطني «المجتهد». قالوا لنا إيّاكم والدخول بدون «واسطة»، فأحضرنا واحدة. لم نشعر بالكثير من الارتياح بالرغم من الواسطة، ولكن في مثل هذه الحالات عليك بقبول ما لديك.
الكادر الطبي المناوب موجود دائماً «أطباء متدربون يقبضون 34 ألف شهرياً بالطبع»، وغرف المشفى الإسعافيّة موجودة «لا يمكنني الجزم إن كان السبب الواسطة أم أنّ للجميع مكان»، ولكنّ المشكلة الكبرى أنّ المشفى خاوٍ من أيّ دواء.
أثناء بقائنا في المستشفى لثلاثة أيّام، اكتشفنا ما الذي تعنيه صحيفة قاسيون عندما تتحدث في مقالاتها عن سحب الدعم «المخفي». بدأ الأمر بالدواء اللازم لإجراء العمليّة والذي من غيره «على ذمّة الطبيب المعالج» سيتعيّن علينا عدم إجراءها ومراقبة الوالد وهو يودعنا متألماً على سرير مشفى، غير قادرين على فعل شيء.
يجاوز سعر الدواء في السوق مليون ونصف الليرة، وهو غير موجود في صيدليّة المستشفى «لا بالمجّان ولا بشكل مدعوم ولا حتى بثمنه السوقي». أجرينا اجتماعاً على مستوى العائلة لمناقشة طريقة تأمين ثمن الدواء، حيث «آمنّا وصدّقنا» ووضعنا الذنب على الحصار كي لا «ننجلط». ثمّ في اليوم التالي وجدنا لدينا ما يُباع، وأخبرنا الطبيب بتحديد موعدٍ للعمليّة.
لكنّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. فعلى مدى الأيام الثلاثة التي بقينا فيها في المستشفى، لم يتوفر لدى الأطباء حتّى أدنى متطلبات الرعاية الدوائية للمريض. كان الأطباء يمرّون بشكل روتيني، يفحصون، ويخرجون ورقة يكتبون فيها اسم الدواء ويقولون ببرود المعتاد: «جيبو الدوا من برا المشفى ومرو لنعلمكن كيف تستخدمو».
تكررت الحالة، ووصل الأمر إلى عدم وجود أدوية إسعافيّة. كان البحث عن أحد الأدوية الإسعافيّة التي وصفوها لإيقاف النزيف كارثة بحدّ ذاته، فهو مفقود في السوق، والذي يملك منه يريد ثمناً خرافياً له.
ينسحب ذات الأمر على الأدوية والمعدات البسيطة، فهي بدورها غير موجودة وتندرج تحت خانة «جيبوها من برا ومرو لنعلمكن كيف تستخدموا»، وحتّى السيرومات الملحيّة يمرّ أحدهم كلّ صباح ويوزّعها على الأقسام وعليها لصاقة مكتوب عليها اسم المريض، وإن نقص سيروم سيتعيّن على القسم المناوب طلبه من مكان مركزي ما في المستشفى.
التحاليل بدورها ليس موجوداً منها إلّا النادر في المستشفى، والموجود يجب أن يبقى يومين إلى ثلاثة أيّام حتّى تحصل على نتيجته. ويندرج بدوره تحت خانة الوصفة الخارجيّة. حاول الأطباء تخفيف وطأة الأمر علينا بتكرارهم أنّ «التحاليل متوفرة في جميع المخابر الخاصة المحيطة بالمستشفى»، لكنّ هذا لم يخفف علينا فاتورة هذه التحاليل.
ثمّ يأتي وقت الدم. فحتى تكون مطمئناً «نسبياً» إلى أنّ مريضك سيحصل على الدم الذي يحتاجه أثناء تحضيره للعملية، أو خلالها، سيكون عليك أن تلاحق الموضوع بشكل شخصي أيضاً. يعطيك القسم المختص ورقة، تأخذها إلى «خازن الدم» في المستشفى، فيعطيك بدوره ورقة إلى بنك الدم في المزّة، لتذهب هناك وتأخذ معك أربعة متبرعين. ثمّ عليك أن تعود بتكسي خوفاً من أن يفسد الدم الذي يعطونك إياه بسبب الحر، لتعطيه لبنك الدم الخاص بالمستشفى، فيعطونك ورقة تسلّمها للقسم المختص.
بالمختصر، كان علينا أن نعقد اجتماعاً عائلياً ثانياً وثالثاً ورابعاً حتّى، وأن نُحصي ما تبقى لدينا للبيع، وأن ننتدب أحدنا ليمضي لتثمين الأشياء في السوق، حتّى ننهي «رحلتنا» مسحوبة الدعم من المستشفى.