الرهان على البلد الخاسر، خاسر
شهدت العلاقات الإيرانية-الهندية نكستين شديدتي الأهميّة خلال فترة عام. وفي كلا الحالتين، كان هناك تأخير كبير من جانب الهند في المفاوضات للتوصّل إلى اتفاق على أسس ترتيبات حكومية-حكومية، الأمر الذي ترك طهران بلا خيار سوى الاستمرار بتطبيق المشاريع دون إشراك شركات القطاع العام الهندي.
ترجمة : قاسيون
تم استبعاد الهند، بشكل حرفي، من مشروعين استراتيجيين مهمّين في إيران، بعد تعليق الكثير من الآمال والوعود عليهما برفع العلاقات على المدى المتوسط والطويل بين البلدين.
المشروع الأول، الذي استبعدت منه الهند ويمثّل لها أولى هاتَين النكستين، هو خطّة إنشاء سكة حديد تصل تشابهار مع زاهيدان، على طول الحدود مع أفغانستان.
أمّا النكسة الثانية فحصلت على إثر القرار الإيراني بمنح شركة وطنية عقداً بقيمة 1.78 مليار دولار لتطوير حقل غاز فرزاد في الخليج العربي، وهو الذي اكتشفته شركة هندية في 2008.
كان القرار الإيراني سياسياً بلا شك، آخذين بالاعتبار الطبيعة الاستراتيجية العالية للمشروعين وتأثيرها ليس على العلاقات الثنائية بين البلدين وحسب، بل على كامل الإقليم. ففي الوقت الذي كان فيه حقل فرزاد ليُقَوِّي أمنَ الطاقة الهندي، كانت سكة حديد تشابهار-زاهيدان لتشكّل وصلة حيوية إقليمية في كامل إقليم وسط آسيا، الأمر الذي كان ليفتح المجال أكثر للهند للعب دورٍ فاعل في أفغانستان.
يعود هذا التراجع بشكل رئيسي لعدم وجود وضوح استراتيجي في سياسة الهند تجاه إيران والخليج العربي عموماً. بعد قطيعتها مع مواقف الهند التقليدية بعدم الانحياز في التوترات بين دول الخليج العربي وإيران، بدأت الهند تصطفّ إلى جانب الدول المناهضة لإيران بقيادة الإدارة الأمريكية السابقة وبمشاركة «إسرائيل».
لا يزال مدى تشجيع الولايات المتحدة للهند على التحوّل إلى «دولة متأرجحة» محلّ خلاف حتّى اليوم، لكنّ هذ الموقف نابع غالباً من مزيج من الترغيب الأمريكي والتقدير الهندي الخاطئ للجغرافيا السياسية لمنطقة غرب آسيا، الأمر الذي أدّى لرهانات خاسرة.
كانت الافتراضات الهندية قائمة بشكل غير مبرر على أنّ العربة الأمريكية التي تضمّ «إسرائيل» والسعودية والإمارات في مرحلة صعود لا تراجع عنها، وبأنّ الانضمام إليها سيكون مفيداً للهند. يبدو هذا متناسقاً مع انضمام الهند لما يسمّى استراتيجية الهندي-الهادئ ضدّ الصين.
لكن لسوء حظّ الهند، فقد سقط تحالف الأمريكيين-الخليج العربي-«إسرائيل».
حدث المحتوم بتسلسل سريع: تحوّلت التوجهات الأمريكية وبدأت بمناقشة الانسحاب من منطقة غرب آسيا للتركيز على آسيا والمحيط الهادئ. قررت الولايات المتحدة، بالرغم من احتجاجات «إسرائيل» والإمارات العودة للتعامل مع إيران.
فحتى السعودية والإمارات بدأتا بعد ذلك بالمبادرة لفتح علاقات أفضل مع إيران ضمن السعي للتآلف مع التغييرات السريعة التي تحدث في الإقليم. كما زادت التوترات الأخيرة في فلسطين من عزلة «إسرائيل» الدولية.
إيران بلد غني للغاية، وبتعاون الهند أو دونه ستشرع في برامج طموحة لإعادة بنائها الاقتصادي. وضمن هذا الإطار تأتي اتفاقية التعاون الاقتصادي مع الصين التي ستستمرّ 25 عاماً بقيمة 400 مليار دولار.
الخاسر الأكبر هنا هي الهند، وإذا ما أرادت اغتنام الفرصة فعليها القيام بسرعة باتباع نهج جديد في السياسة الهندية تجاه إيران. يجب على الهند أن تسعى بسرعة لإعادة إحياء حيوية التعاون الإيراني-الهندي، فالدرب إلى طهران سيصبح مزدحماً عمّا قريب.
بتصرّف عن: How India lost its way in Persian Gulf