ما الذي بقي من «صفقة القرن»؟
عماد طحان عماد طحان

ما الذي بقي من «صفقة القرن»؟

قبل أن نناقش ما الذي بقي من «صفقة القرن» بعد الانتصار الفلسطيني الأخير، لا بد من التمييز بين تلك الصفقة وبين اتفاقات التطبيع التي جرت خلال السنة الماضية مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان...

هل اتفاقات التطبيع جزء مما أطلق عليه ترامب صفقة القرن؟ قد تكون الإجابة البديهية هي نعم، ولكن ما نعتقده هو أنّ الإجابة الواقعية هي نعم ولا!

نعم:

لأنّ استكمال إنهاء القضية الفلسطينية يتطلب بالضرورة لا القضاء عليها ضمن الحدود التاريخية لفلسطين فحسب، بل وأيضاً في المحيط الإقليمي والدولي؛ لذا، فمن البديهي أنّ «صفقة القرن» ينبغي أن تتضمن ترتيبات إقليمية معينة، واتفاقات التطبيع هي جزء من تلك الترتيبات.

لا:

لأنّ الوظيفة الفعلية التي لعبتها هذه الاتفاقات تختلف كثيراً عن تلك التي كانت مرسومة لها ضمن الصفقة ككل...

ليس خافياً على أحد أنّ الحكومات والمشيخات التي وقعت اتفاقات التطبيع، مطبّعة أصلاً، بل وهنالك من لم يوقع بعد ولكنه مطبّع أيضاً. ولذا فالغرض من توقيع تلك الاتفاقات لم يكن الاتفاقات ذاتها، بل الجو الإقليمي الذي كان من المعوّل أن تخلقه تلك الاتفاقات. وبالدرجة الأولى، فإنّ المقصود هو جو الإحباط واليأس، وفي الداخل الفلسطيني خاصة.

هذا الجو (الناجم عن استعراضات توقيع اتفاقات التطبيع) لا يمكن خلقه كل يوم، بل هو أمر يتم لمرة واحدة، وقد تم وانتهى... بكلام آخر، فإنّ الطلقة المضمونة التي كانت في بيت النار في المسدس الأمريكي/الصهيوني، بما يخص اتفاقات التطبيع، قد جرى إطلاقها، ودوّت في الفضاء الإعلامي بضعة أشهر ولم يبق من صوتها أي أثر...

ألم يكن معلوماً بالنسبة لمن يريدون تطبيق الصفقة أن الطلقة الوحيدة المضمونة هي تلك التي أطلقوها؟ برأينا، نعم بالتأكيد، ولكن المسألة ببساطة هي أنّ الجوانب الأخرى في تطبيق صفقة القرن في داخل فلسطين، أي عبر تركيع نهائي للفلسطينيين، وإنهاء لموضوع القدس وغزة والضفة كل على حدة (مع اعتبار ضمني أحمق بأنّ أراضي 48 منتهية أصلاً)، لم يجر ضمنها أي تقدم حقيقي.

كذلك الأجزاء الأكثر صعوبة ضمن الترتيبات الإقليمية، أي المتعلقة بالأردن ومصر، هي الأخرى لم يجر أي تقدم فيها، (ولا يتعلق الأمر هنا بإرادة السلطات في الأردن ومصر بل بقدرتها).

هذه الإحداثيات كلّها، حوّلت الإعلان عن اتفاقات التطبيع من جزء أساسي من صفقة القرن وظيفته هي أن يسير بالتوازي مع الأجزاء الأخرى ويحفزها، إلى بديلٍ يائس عن تلك الصفقة لعل وعسى يحييها، وإنْ لم يفعل فإنه يثبّت واقعاً إقليمياً أقلّ خطورة على الكيان الصهيوني، من انسحاب أمريكي دون عقد هذه الاتفاقات (الانسحاب الأمريكي من المنطقة ككل، وبالحد الأدنى تقليل الوجود الأمريكي إلى الحدود الدنيا، هو أمر بات محسوماً ومعلناً ضمن الاستراتيجات الأمريكية الهادفة إلى تركيز قواها المتراجعة في مواجهة العملاق الصيني)...

وماذا الآن؟

ما طرحناه آنفاً يمكن اختصاره بالتالي: صفقة القرن فشلت، والإعلان عن اتفاقات التطبيع كان محاولة لإعادة إحيائها كحد أعلى، أو على الأقل تثبيت هامش أمان ما للكيان ضمن عملية الانسحاب الأمريكي من المنطقة.

ما الذي يمكن قوله الآن بعد أن نسفت وحدة الشعب الفلسطيني في كل بقاع أرضه التاريخية (التي لم تعد تاريخية بل واقعية وآنية كما لاحظ أحد الشباب الفلسطينيين المشهورين على وسائل التواصل الاجتماعي، علاء أبو دياب)، وفي كل بقاع العالم، كل ما حاول المحتل فعله عبر عقود طويلة من العزل والإجرام؟

ما يمكن قوله باعتقادنا، ليس أنّ صفقة القرن قد فشلت فقط، فهذه فشلت قبل الانتفاضة الأخيرة، بل وحتى اتفاقات التطبيع التي وقعها الأذلاء خلال السنة الماضية قد تحولت من «هامش أمان» مفترض للكيان، إلى هامش خطر مؤكد على الحكومات التي وقعتها.

بل وأبعد من ذلك، فإنّ هذه الانتفاضة قطعت الطريق على أذلاء آخرين منهم من أعلن وجهه عبر طريقة تغطيته وتعامله مع الانتفاضة، ومنهم من تلطى وأخفى وجهه، الانتفاضة قطعت الطريق على هؤلاء الذين بانتهازيتهم التاريخية، مضطرون الآن لإعادة حساباتهم مرات ومرات بعد أن ضاقت السبل الخلفية التي كانت طوال السنوات الماضية أداتهم الابتزازية المفضلة...

(النسخة الانكليزية)

آخر تعديل على الخميس, 27 أيار 2021 16:49