لماذا عالميّة اللقاح الصيني مهمّة؟
اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة مسألة توزيع اللقاحات: «الاختبار الأخلاقي الأكبر»، بينما رأى آخرون بأننا لا نشهد إلا العالم على «طبيعته» حيث سكّان الشمال العالمي يصطفون بانتظار لقاحاتهم الموعودة، وسكان دول الجنوب العالمي غير قادرين على الحصول على اللقاحات قبل 2024.
ترجمة: قاسيون
نحن نعيش عصر تمييز اللقاحات العنصري، وهي تكشف من جديد عن بنية عالمنا المتمحور حول الثنائيات الاستعمارية والرأسمالية والعنصرية. تخزّن الدول الثريّة اللقاحات وتطلب جرعات تكفي سكانها ثلاث مرّات. الاتحاد الأوربي سمح لأعضائه بمنع اللقاحات عن الدول غير الأعضاء بينما دول كأوغندا وجنوب إفريقيا تدفع ثمن اللقاح ثلاثة أضعاف ما تدفعه دول الاتحاد الأوربي. الولايات المتحدة رفضت مشاركة اللقاحات – رغم عدم إقرار استخدامها محلياً – مع أحد، وفقط تحت الضغط أعلنت بأنّها سترسل جرعات للمكسيك وكندا. كندا وحدها طلبت جرعات تكفي لتلقيح سكانها خمس مرات.
تبرز وسط هذه العنصرية دول مثل الصين وروسيا وكوبا لتمنح نموذجاً مختلفاً بشكل جذري عن نموذج دول الشمال. بينت التقارير بأنّ الصين قامت حتّى آذار 2021 بمشاركة 48% من لقاحاتها المصنّعة محلياً مع دول أخرى من خلال التصدير والتبرع، وذلك مقابل تبرّع الولايات المتحدة وبريطانيا بصفر جرعة. كما قامت الصين بمشاركة عشر دول بأبحاث اللقاح وتطويره وإنتاجه.
تبرعت الصين لدول الجنوب العالمي لتنقذها من الانتظار بلا حيلة. كما قامت بإيصال اللقاحات لدول معزولة عن السوق العالمي بسبب العقوبات والحظر المفروض عليها من الولايات المتحدة وحلفائها. مثال تبرع الصين لفلسطين – الضفّة وغزة – بـ 100 ألف لقاح (فضلاً عن تبرّع روسيا أيضاً لفلسطين بعدة آلاف من جرعات اللقاح الروسي). تلقّت فنزويلا التي جمدت الولايات المتحدة أصولها الخارجية 500 ألف لقاح هبة من الصين كإشارة دعم وتضامن.
ولأنّ نموذج عالميّة اللقاح الصيني تبني علاقة تعاون متعدد الأطراف يتخطى الهيمنة الأمريكية، قوبل بمحاولات حثيثة من الإعلام الغربي لإظهار اللقاح الصيني بوصفه تلاعبيّاً وغير آمن. في تشرين الثاني 2020 أعلنت وول ستريت جورنال بفرح بأنّ البرازيل أوقفت اختبارات لقاح سينوفاك بعد «عدد من الأحداث الحادة». المتابع المنطقي سيفترض بأنّ هذه الادعاءات قائمة على جرد لعدد منطقي من الحالات التي احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام، والتي تكررت بعد ذلك في كانون الثاني عن وفيات في البيرو بسبب مضاعفات من اللقاح.
لكن عند البحث عمّا أبعد من عناوين الإعلام الغربي، سيكتشف أنّ ما حدث في البرازيل هو حالة واحدة، وكان سبب الوفاة انتحار الشخص الذي تلقى العلاج! وأمّا ما حدث في البيرو فقد اقتصر كذلك على شخص واحد كان قد تلقى حبوب اختبار وهمية «placebo» ولم يتلقَّ اللقاح.
ولكن بعد أن أثبتت دارسة تلو أخرى فاعلية وأمان اللقاحات الصينية والروسية، انتقل الإعلام الغربي لمحاولة إظهار تبرع الصين باللقاحات بأنّها «أجندة خطرة». مثال تحذير النيويورك تايمز من أنّ الصين تستخدم اللقاح لتوسيع نفوذها الدولي عبر محاولة الفوز في «دبلوماسية اللقاح».
لكنّ دول الجنوب العالمي، وسكان الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، علموا بأنّ اللقاحات الصينية والروسية هي من تنقذ حياتهم بسدّ الفجوة التي خلقها النظام الصحي الذي يدور حول شركات الأدوية الكبرى الغربية وتحقيقها لأرباح أكبر.
سياسة اللقاحات التي تعتمدها الصين بالمقارنة مع تلك التي تعتمدها الولايات المتحدة وحلفاؤها هي مجسّم صغير لاتجاهين عالميين مختلفين: الأول تصرّ فيه الصين على التضامن العالمي لهزيمة الوباء، بينما الآخر يرفض فيه الغرب تخفيف ضغوط النظام الاستعماري الجديد. ونجاح النموذج الصيني يعكس بدوره مدى مناسبة الظرف لضرب الهيمنة الغربية.