استمرار انكماش الوباء في بريطانيا رغم «السلالات المتحوِّرة»
نقلت صحيفة الغارديان البريطانية أول أمس الجمعة تطورات جديدة توحي بميل القرار الحكومي البريطاني نحو تخفيف إجراءات الإغلاق بعد تواصل انخفاض عدة مؤشرات وبائية منذ الشهر الماضي، وقالت بأنّ «الآمال تتعزز في أن يتمكن قادة المملكة المتحدة من البدء في تخفيف قيود الإغلاق في غضون أسابيع حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد حالات كوفيد الجديدة يتقلص بنسبة 2% إلى 5% يومياً».
ونقلت الصحيفة عن «المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ» (SAGE) قولها إن المشعر الوبائي المعروف باسم «رقم التكاثر الأساسي» أو R قد انخفض إلى أقل من 1 للمرة الأولى منذ تموز، وتقدر قيمته الآن ما بين 0.7 و0.9 في جميع أنحاء المملكة المتحدة (الأمر الذي يُعتَبر انكماشاً وتقلصاً للوباء) وذلك استناداً إلى أحدث البيانات المتاحة حتى 8 شباط، بما في ذلك حالات الدخول إلى المستشفيات والوفيات، بالإضافة إلى اختبارات الأعراض ودراسات الانتشار.
وقدرت المجموعة قيمة R بأقل من 1 في جميع مناطق إنكلترا، بما فيها مقاطعة كِينت التي ظهرت فيها لأول مرة إحدى السلالات المتحورة التي قيل إنها أسرعُ انتشاراً وأشد فتكاً. وأضافت المجموعة: «ومع ذلك، لا يزال انتشار الفيروس مرتفعاً، لذلك يظل من المهم أن يستمر الجميع في البقاء في المنزل من أجل الحفاظ على قيمة R منخفضة وحماية وزارة الصحة والمساعدة في إنقاذ الأرواح».
وهذا الواقع يمضي بعكس النماذج الرياضية التنبؤية السابقة التي اعتمدت عليها حكومة جونسون في تقييم خطورة انتشار السلالات الجديدة وخاصة سُلالة كِينت المتحوّرة B.1.1.7، والتي قيل آنذاك إنّها أكثر انتشاراً لأن نماذج رياضية معيّنة بيَّنت بأنّ رقم التكاثر الأساسي R سوف يرتفع رغم الإغلاق المشدد هناك. ويبدو ذلك معاكساً للاتجاه الذي جرت عليه الأمور، حيث قال التحليل الجديد لـ«المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ» إنه مع تأثير الإغلاق على انتقال العدوى يتقلص عدد الإصابات الجديدة بنسبة 2–5% يومياً.
ووسط ترحيب بالبيانات الواعدة، لكن حلفاء بوريس جونسون أكدوا مراراً تصميمه على التحرك بحذر لتجنب الاضطرار إلى فرض قيود جديدة إذا انتشر الفيروس مرة أخرى. وقال مصدر في مقر الحكومة في داونينغ ستريت: «ليس الأمر أن رئيس الوزراء لا يريد حقًا إنهاء الإغلاق، لكن سيكون من المؤلم لدرجة القسوة إحداث انعكاس آخر على الناس».
ووعد جونسون بنشر خارطة طريق في الأسبوع الذي يبدأ في 22 آذار، تحدد ما إذا كان يمكن فتح جميع المدارس كما هو مأمول في 8 آذار ومتى يمكن للقطاعات الأخرى اتباعها. ويعتقد أعضاء البرلمان المحافظون الذين ضغطوا بشدة لإعادة فتح المدارس أن موعد 8 آذار أصبح الآن غير مؤكد.
وكان بعض العلماء والخبراء بتحليل البيانات، مثل البروفسور كارل هينيغن، مدير المركز البريطاني للطب المسند بالبيّنات CEBM قد وجّهوا اتهامات لطرق وضع التنبؤات التي اعتمدت عليها الحكومة، معتبرين أن فيها مبالغات وأخطاء، لكن لم تلقَ انتقاداتهم اهتماماً واسعاً. وأحد مَن وُجِّهَت إليهم هذه الاتهامات هو البروفيسور نيل فيرغسون، العضو البارز في «المجموعة الاستشارية للتهديدات الفيروسية التنفسية الجديدة والناشئة» NERVTAG والذي يقدم المشورة للحكومة. واليوم أمام البيانات الجديدة يبدو أنّ نيل فيرغسون أقرَّ بأن الوضع «في مكان أفضل مما كنت أتوقعه قبل شهر» وفق ما نقلت عنه الغارديان. وصرح إن الحكومة قد يكون لديها المجال لإعادة فتح المدارس الابتدائية على الأقل كما هو مخطط لها، «وإذا واصلنا رؤية انخفاض مستمر دون تفشي المرض بشكل كبير، فربما نبدأ بالاسترخاء في جوانب أخرى من المجتمع في الشهر المقبل».
وقال جونسون في وقت سابق هذا الأسبوع إنه لا يمكنه التأكد بعد من تأثير برنامج التطعيم الشامل على العدوى والوفيات، لكنه يأمل أن يكون الأمر أكثر وضوحًا في الأيام المقبلة. ومن المتوقع أن تحذو المتاجر غير الأساسية حذو المدارس في السماح لها بالفتح، والضيافة بعد ذلك، على أمل أن ترحب الحانات والمطاعم بالزبائن مرة أخرى بحلول شهر أيار.
قال فيرغسون إنه إذا تم تنفيذ الموقف وفقًا لأفضل التقديرات، فقد يكون جزء كبير من إنكلترا معادلاً لإجراءات المستوى الثاني (غير متشدد) بحلول شهر أيار، ومناطق ذات معدل حدوث منخفض جدًا في المستوى الأول. وقال جونسون إنه يود المضي قدمًا في رفع القيود على مستوى البلاد كلها إذا كانت البيانات تسمح بذلك.
نواب حزب المحافظين في مجموعة Covid Recovery Group يطالبون جونسون بالتحلي بالجرأة في إعادة فتح الاقتصاد. لكن المستشارين العلميين للحكومة، والوزراء الأكثر حذراً، بما في ذلك مايكل جوف ومات هانكوك، الذين يضغطون من أجل اتباع نهج تدريجي.
ويبدو أنّ الجدالات حول الإغلاق أو الفتح وتقييم خطورة السلالات المتحورة تشهد تخبطات وتناقضات في بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي أيضاً حيث أعلنت ألمانيا اليوم الأحد إغلاق حدودها مع مقاطعة تيرول النمساوية ومع جمهورية تشيكيا من أجل «احتواء تفشي نسخ متحوّرة لفيروس كورونا» ما أثار توترات مع الاتحاد الأوروبي واستياء الاتحاد الذي يخشى تكرار المساعي الأحادية لدوله خلال الربيع الماضي والعودة إلى طرح أسئلة بشأن منطقة شينغن في ظل تفشي الوباء.
بالمقابل أعربت المفوضة الأوروبية للصحة ستيلا كيرياكيدس عن أسفها في صحيفة «أوغسبورغ أولغيماينه» الألمانية الأحد، قائلة: «لن يتم وقف الفيروس عبر الحدود المغلقة»، مضيفةً بأنّ «الشيء الوحيد الذي يساعد هي اللقاحات والإجراءات الصحية الوقائية، من الخطأ في رأيي العودة إلى قارة بحدود مغلقة»، في وقت تتعرض المفوضية الأوروبية نفسها لانتقادات في ألمانيا بسبب بطء حملات التلقيح.
معلومات إضافية
- المصدر:
- الغارديان + المركز البريطاني للطب المسند بالبينات CEBM