حسان منجه
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لا يكاد يمر يوم إلا ونرى فيه خبراً أو تصريحاً لمسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يبشر فيه السوريين بدخول سلع ومواد جديدة يتم تقييد أسعارها، أو معلومات تتحدث عن انخفاض الأسعار بموجب هذه القرارات الحكومية بنسب تصل إلى 30%، لتسوّق تلك الأخبار على أنها «انجازات» تحسب لوزارة التجارة الداخلية خصوصاً وللحكومة عموماً، ونحن لسنا ضد انخفاض الأسعار بكل تأكيد، ولا نحمّل الوزارة مسؤولية عدم نجاحها في تخفيض الأسعار، ونعرف أن فعاليتها مرتبطة بالأداء الحكومي بمجمله، بل نبدي التساؤل حول مبررات تسليط الضوء على انخفاض الأسعار، وتضخيم نسبته، وأخذه معياراً لأداء حكومي ناجح، ألا يدعو ذلك للاستغراب؟! ألا يمكن أن يوضع ذلك في خانة التلميع المقصود من قبل البعض؟!
"مقاربة تنموية تدخلية"، تبنتها الحكومة خلال عام 2014، والتي تقوم على مجموعة من الأهداف ذات أبعاد ثلاثة، ومن بين تلك الأهداف تحسين المستوى المعيشي، وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين، وهذا يوحي – شكلاً - باختلاف جذري واستراتيجي في سياسات الحكومة، ويعطي انطباعاً باهتمام زائد بتحسين معيشة السوريين، إلا أن هذا الانطباع إذا ما صدق، فإنه يستدعي التساؤل: إذا ما كان الشغل الشاغل للحكومة هو تحسين المستوى المعيشي، وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين، فما كانت أهدافها في السابق إذا؟! ألم تكن السياسات الاقتصادية في خدمة التنمية والمواطن السوري سابقاً؟!
تصرّ المصارف السورية الخاصة بشكل عام على التغريد بعيداً خارج ما يعتبر في صلب نشاطها، ومبرر وجودها في سوقنا المحلية أساساً، وعلى رأسها لعب الدور التنموي الذي يخدم الاقتصاد الوطني والمواطن السوري معاً، وبعيداً عن تلك الأولويات الاقتصادية، تسير خطط الإقِراضِ في المصارف الخاصة، وهذا ليس وليد اللحظة، ففي الماضي القريب ركزت خطط الإقراض على امتلاك السيارات، وأقله على الشقق السكنية، أما الآن فالأولوية ليست للسوريين في الداخل بل للمغتربين في الخارج، فهم الأكثر حاجة ممن سواهم – بحسب منطق هؤلاء - لامتلاك منزل العمر..
من باب بيان الواقع السعري للسلع في الأسواق العالمية والإقليمية والمحلية، والتغيّرات التي تطرأ عليها، أصدرت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار - مديرية البحوث والدراسات - تقريراً تبيّن في نهايته أن الأسعار المحلية لبعض المواد الأساسية تعد الأرخص مقارنة مع الأسعار في الدول المجاورة (لبنان، الأردن، مصر)
«عادت حليمة لعادتها القديمة»، خير مثالٍ على التعاطي الحكومي مع قضية الدعم، الشوكة الدائمة في حلق راسمي السياسات الاقتصادية ومنفذيها، دون أن يبقى منه الكثير فعلياً..
لم ينقص حكومة الحلقي التأهب، فهي من أعلنت الاستنفار بانتظار العاصفة «أليكسا» قبيل وصولها، إلا أن حديثها عن التأهب ذهب أدراج الرياح، ليغرق السوريون بمصائب عاصفة زادت مآسيهم، وعقدت أزماتهم القائمة، وقطعت شرايين الحياة في محافظاتهم ومناطقهم، وأغرقت بيوتهم بالظلام والبرد القارس، ليدخل غالبية السوريين في حالة من التجمد المؤقت بانتظار رحيل العاصفة «أليكسا»..
إنه المتنفس الوحيد، الذي تصرّ وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على إغلاقه في وجه شرائح واسعة من السوريين، فالبالة في عرف مسؤولي الوزارة مكبٌ لنفايات العالم!! ووجودها يهدد المنتج الوطني، إلا أن البالة في عرف شرائح واسعة من السوريين، هي المكان الأنسب بأسعار ألبسته لمداخيلهم المحدودة، وحصار أصحاب القرار الاقتصادي لها، يعني بالمحصلة حصارُ لهم!..
على وقع الحرب الدائرة في البلاد، يَستغِلُ أصحاب القرار الاقتصادي هذه الظروف لتمرير قرارات تستبيح كل المحظورات، والتوقيت لم يأتِ مصادفة، فما عجزوا عن تمريره من قرارات اقتصادية في ظروف سابقة، يسعون لإقراره الآن، وما كان قرار رفع أسعار المشتقات النفطية سوى الخطوة الأولى على هذا الطريق، واليوم تطبخ وزارة النقل مشروع تحرير النقل الجوي وخدماته على نار هادئة، ساعية إلى تمرير هذا المشروع دون أدنى ضجة إعلامية تذكر، "لا من شاف ولا من دري" !!..
التنافس على أشده بين وزارتي الاقتصاد والتجارة الداخلية، فكل منهما تحتكر لنفسها إلحاق «الهزيمة» بالأسعار، وإجبارها على الانخفاض، كما يدعون، وهذا ما توحي به تصريحات بعض المسؤولين في تلك الوزارات على الأقل، فقد يكون للتكامل بين عمل الوزارتين دور في انخفاض الأسعار، وهذا الشيء المنطقي، إلا أن المستغرب هو السعي لاحتكار «إنجازات» اقل ما يقال عنها إنها إعلامية محضة حتى هذه اللحظة..
يجد بعض المتخصصين في العودة إلى نظام التسعير الإداري حلاً لأزمة انفلات الأسواق، بينما ينظر إليه آخرون على اعتباره مرسخاً ومؤسساً لتشوه إضافي في اقتصاد مشوه، وبين هذا وذاك، يقف مواطن منهك القدرة الشرائية، يتطلع إلى أي إجراء حكومي عله يسعفه في معركته اليومية مع ارتفاع الأسعار، فلا هاجسه الاقتصاد ولا تشوهاته، كل همومه تختزل بالعجز الدائم عن شراء جزء من احتياجاته الغذائية، فتوفر المادة بالسعر المرتفع لا تعني بمطلق الأحوال امتلاكها بالنسبة لهؤلاء، وهم من يمثلون شريحة غير قليلة من السوريين..