دور تأشيري للدولة.. لا يحدد هوامش الربح!!

دور تأشيري للدولة.. لا يحدد هوامش الربح!!

يجد بعض المتخصصين في العودة إلى نظام التسعير الإداري حلاً لأزمة انفلات الأسواق، بينما ينظر إليه آخرون على اعتباره مرسخاً ومؤسساً لتشوه إضافي في اقتصاد مشوه، وبين هذا وذاك، يقف مواطن منهك القدرة الشرائية، يتطلع إلى أي إجراء حكومي عله يسعفه في معركته اليومية مع ارتفاع الأسعار، فلا هاجسه الاقتصاد ولا تشوهاته، كل همومه تختزل بالعجز الدائم عن شراء جزء من احتياجاته الغذائية، فتوفر المادة بالسعر المرتفع لا تعني  بمطلق الأحوال امتلاكها بالنسبة لهؤلاء، وهم من يمثلون شريحة غير قليلة من السوريين..

في مطلع كل صباح نسمع عن إصدار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً جديداً بتحديد هوامش الربح لسلسلة من المواد والسلع الأساسية والضرورية، دون أن يرى المستهلكون على أرض الواقع تغيراً يذكر في الأسعار، فالانخفاضات طفيفة، وعلى سلع ومواد محددة بعينها، وهذا لا يعني بكل الأحوال أن تلك القرارات قد بدأت تؤتي ثمارها، ورغم كل هذا الواقع الذي لا يدعو للتفاؤل في جميع الأحوال، هل نفهم أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد دخلت ميدان تخفيض الأسعار؟! وهل ستنجح في الوصول إلى هذه الغاية بعد حين؟! خاصة وأن الحكومة فاقدة لأغلب أدوات التحكم بالأسواق إن لم نقل جميعها، فإذا رغبت بالعودة إلى نظام التسعير، فما هي الأدوات التي ستعتمد عليها للوصول إلى غايتها؟! وهل دوريات حماية المستهلك قادرة على ضبط الأسعار؟! فالمواد المسعرة إدارياً لا تصل إلى المستهلك بسعرها الحقيقي أحيانا، فهل سيلتزم التجار والمستوردون بهوامش الربح المحددة من جانب الوزارة؟!.

تجربة غير مشجعة!

تحولت النشرة التأشيرية إلى أداة قانونية لتبرير احتكار التجار في الممارسة العملية، بدلاً من كونها آلية لردعهم أو إجبارهم على عدم المخالفة، أو منعهم من رفع أسعارهم كما يريدون في أسوأ الأحوال، وهي من أصرت على ملاحقة أسعار السوق بدلاً من ضبطها، فمع تجاوز التجار لأسعار النشرة التأشيرية الثالثة عشرة في مادتي البيض والفروج على وجه الخصوص، أتت النشرة الرابعة عشرة لترفع سعر البيض والفروج إلى المستويات التي يباع فيها بالأسواق المحلية، فالنشرة التأشيرية عملية شرعنت جشع التجار، وهذا يدل على فشلها في الوصول إلى غايتها الأساسية، وهي ضبط الأسواق والحد من ارتفاع الأسعار، وجعلها تموت سريرياً من ناحية الفاعلية، فمنذ البدء بمشروع النشرة التأشيرية لم تسر الأسعار إلا بخط بياني واحد باتجاه الأعلى، وفي أسوأ الأحوال إذا تعارض سعر النشرة التأشيرية مع مزاجية البائع، فالردود حاضرة، لتشتري من النشرة الحكومية، فالنشرة لم تأتِ بجديد، وهذا ما جعل من البحث عن ضرورات بقائها يفقد مبرره، فالنشرة التأشيرية لم تستطع ضبط الأسواق، ولم تأت بالنتيجة المرجوة في ظل الواقع الحالي، والخوف الكبير من أن يكون التسعير الإداري (تحديد هوامش الربح) على شاكلة النشرة التأشيرية، وبما يخدم التجار والمستوردين في المحصلة النهائية!..

التسعير الإداري.. وسيلة وليس غاية

التسعير الإداري وسيلة وليس غاية بحد ذاته، ويجب أن يكون على عكس النشرة التأشيرية، والتي كانت بعد أكثر من ثلاثين نشرة متتالية، مجرد غاية في حد ذاتها، لأنها فشلت كوسيلة لضبط الأسواق وتخفيض الأسعار، ورغم ذلك أصرت على الإطلالة نصف الشهرية من بوابة وزارة التجارة الداخلية دون فاعلية تذكر، ولكن السؤال الذي لا بد من طرحه اليوم: هل ستكون قرارات تحديد هوامش ربح سلسلة من المواد والسلع الأساسية والضرورية مجرد حبر على ورق كما كانت حال النشرات السابقة؟! ليبقى تخفيض الأسعار غاية لا تدرك، فهوامش الربح تم تحديدها، ولكن السؤال، هل ستلتزم حلقات الوساطة التجارية بها على اختلاف مستوياتها، تحديداً أن الدولة تقلص حتى النهاية من دورها كمنافس بإلغاء مؤسساتها المنتجة البديلة بشكل مقصود أو بتركها لتتنازعها أيدي الفساد والنهب..

تطبيق.. أسوأ التجارب!

في الأروقة الحكومية، من المتوقع أن يناقش مشروع يتيح منح المفتشين العاملين في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية نسبة من المبالغ المالية التي يجري ضبطها كهدر أو سرقة أو تجاوزات، وذلك أسوة بتجارب أخرى مماثلة أبرزها صندوق مصادرات الجمارك، هذا ما كشف عنه أحد المواقع الالكترونية، ولكن السؤال البديهي الذي لا بد من طرحه:  هل تجربة صندوق مصادرات الجمارك كانت بالناجحة أساسا لكي يجري تعميمها؟! وهل نجحت في جعل مديرية الجمارك أكثر شفافية وفاعلية ونزاهة؟!
لا يختلف اثنان على أن قطاع الجمارك هو من القطاعات الأكثر فساداً في سورية، وفي ذمته آلاف بل عشرات آلاف عمليات التهريب ليس السلع والمواد «المدعومة» فقط كالمازوت على سبيل المثال، بل تهريب السلاح أيضاً، وهذا بمجموعه جعل منه أهم بؤر الفساد في البلاد، ولم يكن لصندوق مصادرات الجمارك أي دور في تحسين أدائه، بل شكل دخلاً ثانوياً يضاف إلى السرقة الكبيرة في هذا القطاع على أكثر من صعيد، فالتجربة آنفة الذكر لم تكن بالفاعلة، بل كانت بوابة ابتزاز في أحسن الأحوال، ولذلك يبقى السؤال: لمَ الإصرار على تعميمها؟!..