أجورنا الأدنى مقارنة بالدول المجاورة.. والفارق يتجاوز الـ 500%!
من باب بيان الواقع السعري للسلع في الأسواق العالمية والإقليمية والمحلية، والتغيّرات التي تطرأ عليها، أصدرت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار - مديرية البحوث والدراسات - تقريراً تبيّن في نهايته أن الأسعار المحلية لبعض المواد الأساسية تعد الأرخص مقارنة مع الأسعار في الدول المجاورة (لبنان، الأردن، مصر)
لكي يروجوا لفكرة واحدة ارادوها كما نعتقد، وهي إثبات أن الاسعار في البلاد هي الارخص، دون أن ينسى التقرير المرور الشكلي على مستوى الدخل، والذي أصبح لا يتناسب أبداً مع مستوى الإنفاق على متطلبات المعيشة الأساسية على الأقل، دون الخوض في تفاصيل توضيحية تبين حجم الفجوة لكي تتضح الصورة بشكل أدق، إلا إذا ما اعتبرت أن دراسة الأجور بشكلها التفصيلي خارج نطاق اختصاصها..
تعويض ما تجاهلته دراسة الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار ضرورة تفرض نفسها، لكي لا تُبرَزَ قضية انخفاض أسعار بعض السلع بمعزل عن سواها، فربط الأجور بالأسعار هو الأرضية التي يبنى على أساسها معادلة الأرخص، فعندما تكون أسعار بعض المواد في دول الخليج أو الدول الأوروبية أرخص من الأسعار لدينا، فهذه مفارقة لا بد من الحديث عنها لأن مستويات دخولهم أعلى بكثير من مستوياتها لدينا، ولكن الحديث عن كون الأسعار في الأسواق لدينا الأرخص مقارنة بدول الجوار، فهذا لا يستحق تقريراً ولا دراسة، فمن غير الطبيعي أن يكون العكس صحيحاً، وإلا فإن السوريين في كارثة حقيقية، لأن مستويات دخولهم الأقل مقارنة بهذه الدول..
أجور هزيلة
في الحديث عن الحد الأدنى الرسمي للأجور، فإنه يصل في لبنان إلى 675 ألف ليرة لبنانية شهرياً، وهو ما يعادل 450 دولار أمريكي، وفي هذه الحالة، وعلى أساس السعر الرائج للدولار في الأسواق المحلية (140 ل.س)، فإن الحد الأدنى للأجور في لبنان يبلغ 58800 ل.س، وذلك مقارنة بـ 9765 ل.س هي الحد الأدنى للأجور لدينا، أي أن الفارق يبلغ 49035 ل.س، وبنسبة تصل إلى 500%..
وبالانتقال إلى الأردن، وجدنا أن الحد الأدنى للأجور فيها يصل إلى 190 ديناراً، وهو ما يعادل 268.5 دولار (1 دينار أردني = 1.4134 دولار الأمريكي)، وفي هذه الحالة، وعلى أساس السعر الرائج للدولار في الأسواق المحلية (140 ل.س)، فإن الحد الأدنى للأجور في الأردن يبلغ 37590 ل.س، وذلك مقارنة مع 9765 ل.س هي الحد الأدنى للأجور في سورية، أي أن الفارق يبلغ 27825 ل.س، وبنسبة تصل إلى 285%..
وبالحديث عن مصر، توصلنا إلى أن الحد الأدنى للأجور فيها يصل إلى 1200 جنيه، وهو ما يعادل 173 دولار (1 دولار أمريكي = 6.931 جنيه المصري)، وفي هذه الحالة، وعلى أساس السعر الرائج للدولار في الاسواق المحلية (140 ل.س)، فإن الحد الأدنى للأجور في مصر يبلغ 24220 ل.س، وذلك مقارنة مع 9765 ل.س هي الحد الادنى للاجور لدينا، أي أن الفارق يبلغ 14455 ل.س، وبنسبة تصل إلى 148%..
تصويب
مستويات الأجور في هذه البلدان (لبنان - الأردن - مصر) ليست بالنموذجية، والمواطنون فيها، وبعض الخبراء والمهتمون في المجال الاقتصادي والعمالي، يتحدثون عن ضرورات رفع الحد الأدنى للأجور عن مستوياته الحالية ومضاعفتها، ويتحدث الشارع فيها أيضاً عن الفارق الكبير بين الأسعار ومستويات الأجور، والبعض يصفه بالحد الأدنى الكارثي لأنه لا يؤمن متطلبات المعيشة، ولا يحقق الأمان الوظيفى..
على الرغم من ذلك لم نجد سوى الفجوة الكبيرة بين الحد الأدنى للأجور في هذه الدول وأجور العاملين لدينا، والتي تراوحت بين 150 – 500%، ولهذا نسأل: كيف ستكون الحال لدينا؟! فأجورنا أخفض من تلك الدول بنسب كبيرة، إلا أن أسعار السلع في الأسواق المحلية تكاد تلامس مثيلاتها في تلك الدول ببعض الاحيان، ومهما كانت الأسعار في أسواقنا منخفضة مقارنة بدول الجوار، فإنها لن تتساوى مطلقاً من نسبة الفارق الحاصل في الأجور في تلك الدول أولاً، ومقارنة بالأجور الهزيلة في سورية ثانياً..
التناغم الحكومي مفقود!
يحمّل المتابعون للشأن الاقتصادي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مسؤولية عدم القدرة على ضبط الأسعار وانفلات الأسعار في الأسواق، متجاهلين أن التصدير الذي يتباهي به بعض المسؤولين للمنتجات الزراعية والحيوانية، هو من يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى، كالحديث عن تصدير نحو 90 ألف طن من مختلف أنواع الحمضيات المحلية إلى العراق خلال الفترة الماضية، أو الحديث عن تصدير نحو 200 ألف رأس من الخراف خلال العام الماضي.
لا نسعى من وراء ذلك إلى إعفاء وزارة التجارة الداخلية من المسؤولية مطلقاً، والتي لا يعود إليها قرار تصدير المواد الزراعية من عدمها بل لوزارة أخرى، إلا أن هذا يعكس عدم التنسيق بين الوزارات، وينبئ بعدم التناغم في عمل الحكومة، فإذا ما كانت الحكومة جادة بخفض أسعار اللحوم، فإن أبسط إجراءاتها هو وقف تصدير الأغنام على سبيل المثال لا السماح بتصديرها، وما ينطبق على اللحوم ينسحب على سواه، فإذا ما كانت الحكومة جادة في ضبط الأسواق، فإن عليها إيقاف التصدير أولاً، والبدء بتطبيق الإجراءات الرادعة لاحقاً..