رمضان.. وصبر الطبقة العاملة المضاعف
يحل شهر رمضان على الطبقة العاملة ليمتحن مجدداً قدرتهم على الصبر المضاعف، الصبر على أحوالهم المعيشية التي تسير من سيء إلى أسوأ،
يحل شهر رمضان على الطبقة العاملة ليمتحن مجدداً قدرتهم على الصبر المضاعف، الصبر على أحوالهم المعيشية التي تسير من سيء إلى أسوأ،
على حين غرة، وبعد أيام طويلة من الخريف مرت حارة وجافة، سقطت الأمطار والثلوج الغزيرة في كل أنحاء سورية، بعدما «تحالفت السماء والفريق الاقتصادي على المواطن السوري المسكين»، حسب تعبير أحد الرفاق من الجزيرة التي شكت الإهمال والجفاف معاً، وفجأة تفاءل الجميع بالخير القادم من السماء بعد طول انتظار، وستتوقف أبواق الفريق الاقتصادي التي كانت تضع اللوم على الجفاف والقضاء والقدر، ولهذا كان لسان حال المواطن السوري يقول: «ربِّ إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه».
لم يعد خافياًَ على أحد التأثير السيىء لحالة الخوف وتوجس الكوارث المعيشية عند المواطن السوري، عند أي قرار أو حتى مجرد شائعة حول أية زيادة قد تطرأ على الأجور والرواتب، حيث يستغل التجار وأصحاب قرار الأسعار والتحكم بالسوق الداخلية، سلفاً، فرحة المواطن وبصيص الأمل الذي يبشره بالفرج، ولو قليلاً، ليحوِّلوا هذه الفرحة إلى عبء جديد وهم إضافي يضاف إلى مصاعب لقمة العيش، عن طريق رفع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية لامتصاص هذه الزيادة بأضعاف مضاعفة.
كما في كل موسم، كما في كل مناسبة هامة ينتظر فيها المواطن السوري بادرة أمل في فرح أو ارتياح، ينقض حيتان السوق على أحلامنا وأمنياتنا فيقتلونها في مهدها قبل أن ترى النور.
يمكن قياس مستوى التضخم في دولة ما، بناء على حساب معدل ارتفاع أسعار السلع مقارنةً بمعدل تطور الأجور، أو رصد آثار التضخم على واقع الحياة المعيشية اليومية للشرائح الاجتماعية الواسعة. وإن انعكاس السياسات الاقتصادية على واقع الحياة المعيشية في سورية يدل على عدم دقة النتائج والأرقام الرسمية الواردة، يتضح ذلك من نظرة شاملة على الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من المواطنين السوريين حيث نرى أن ارتفاعات المتكررة للأسعار، والتي طالت بالدرجة الأولى المواد الغذائية والاستهلاكية التي تتعلق بسلة الإنفاق اليومي للمواطن، أدت إلى تلاشي القدرة الشرائية للأجور والرواتب مقارنة بارتفاع الأسعار.
المراسيم الجمهورية الثلاثة الصادرة قبل أسبوعين لم تبرد قلوب السوريين بعد، ويبدو أنها لن تكون قادرة على ذلك،
تتحدد قيمة الليرة بالنسبة للسوريين من أصحاب الأجر، بمقدار ما تستطيع هذه الليرات المجنية من ساعات عملهم أن تقابل بضائع وخدمات تستطيع أن تعيد تجديد إنتاج قوة عملهم، فإن استطاعت 10 ليرات يومياً أن تحقق الحاجات، أو 1000 ليرة فلا فرق، المهم أن العملة تقوم بدورها الوظيفي الأساسي بالنسبة لعموم السوريين، كمقياس القيم، وأداة للتداول..
أحجية الأسعار ما تزال عصية عن الحل، فكل المقدمات الصحيحة خلال الشهور الماضية التي افترضت انخفاض الأسعار جاءت بنتائج غير صحيحة، بل معاكسة للمعادلة المنطقية،
بدأت أسعار العديد من السلع بالارتفاع بشكل ملحوظ في الأسبوعين الأخيرين بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الحدث الداخلي، وقد طالت هذه الارتفاعات السكر الذي وصل الكيلو غرام الواحد منه إلى حدود الخمسين ليرة، والقهوة التي قفز الكيلو غرام الواحد منها نحو أربعين ليرة دفعة واحدة، مروراً بالعديد من أسعار الخضار والفاكهة الصيفية التي فاقت أسعارها هذا الموسم كل حدود، بما في ذلك أسعارها في جميع المواسم السابقة، حتى في أشدها قحطاً ومحلاً..
بين أوائل عام 2012 ونهايته وبعيداً عن التغيرات الكبرى و»الدرامية» التي مسّت حياة السوريين، فإن الكم الكبير من المتغيرات «الصغيرة»، يتراكم ليجعل تغيرات هذا العام ذات أثر عميق وبعيد المدى. فارتفاعات الأسعار القاسم المشترك بين جميع المناطق المتوترة والآمنة، غيرت الكثير من المعطيات في حياة السوريين، ابتداءً من موائد طعامهم، وأوضاعهم الصحية، وصولاً إلى طبيعة أعمالهم، وانتهاءً بتحديد موقعهم على خارطة الفقر، بل والجوع أيضاً.