يوسف البني يوسف البني

الرقم أصدق إنباءً من الخُطَب القدرة الشرائية للدخل بين الأمس واليوم

يمكن قياس مستوى التضخم في دولة ما، بناء على حساب معدل ارتفاع أسعار السلع مقارنةً بمعدل تطور الأجور، أو رصد آثار التضخم على واقع الحياة المعيشية اليومية للشرائح الاجتماعية الواسعة. وإن انعكاس السياسات الاقتصادية على واقع الحياة المعيشية في سورية يدل على عدم دقة النتائج والأرقام الرسمية الواردة، يتضح ذلك من نظرة شاملة على الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من المواطنين السوريين حيث نرى أن ارتفاعات المتكررة للأسعار، والتي طالت بالدرجة الأولى المواد الغذائية والاستهلاكية التي تتعلق بسلة الإنفاق اليومي للمواطن، أدت إلى تلاشي القدرة الشرائية للأجور والرواتب مقارنة بارتفاع الأسعار.

وحسب دراسة أعدتها الحكومة السورية تحت إشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئات دولية أخرى، تم إقرار حقيقة أنه في عامي 2003 ـ 2004 لم يتمكن نحو مليوني مواطن سوري، أي ما نسبته 11.40% من السكان، من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية. وباستخدام مؤشر خط الفقر وخطوط الإنفاق المعيشي الخاص بالأسرة تم التصريح بأن الفقر الإجمالي في سورية يصل إلى 30% من عدد السكان، أي ما يزيد عن 7 ملايين شخص، علماً أن النسبة الحقيقية على أرض الواقع تزيد عن ذلك.

إن السياسات الاقتصادية المتبعة أدت إلى تآكل القيمة الشرائية للأجور، فالحد الأدنى لإنفاق الأسرة الفعلي الضروري على الحاجات الغذائية فقط، دون باقي الاحتياجات الأخرى، يبلغ 13155 ل.س، وهي قيمة 150 وجبة فردية موزعة على مدى 30 يوماً، لأسرة مكونة من 5 أشخاص (أي خمس وجبات للأسرة يومياً)، هذه الوجبة الأساسية للفرد التي صاغها مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات للاتحاد العام لنقابات العمال عام 1987، والتي من خلالها يحصل الفرد على السعرات الحرارية الكافية والضرورية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد. وبموجب الأسعار الجارية في شهر تموز الحالي للمواد الاستهلاكية في الوجبة الأساسية للفرد، التي تم تفصيلها على الشكل التالي:

نوع المادة 

الوزن

 

القيمة بالأسعار الحالية

 

خبز

 

500 غ

 

4.5 ل.س

 

بيض عدد1

 

50 غ

 

5 ل.س

 

جبن

 

25 غ

 

3.5 ل.س

 

لحم

 

75 غ

 

49 ل.س

 

خضار مختلفة

 

250 غ

 

5 ل.س

 

فواكه

 

200 غ

 

16 ل.س

 

أرز

 

70 غ

 

4.7 ل.س 

وبالمجموع نجد أن قيمة الوجبة الأساسية للفرد حالياً تبلغ 87.7 ل.س. ولمّا كان متوسط عدد أفراد الأسرة السورية هو 5 أشخاص فإنهم يحتاجون شهرياً إلى 150 وجبة بقيمة 13155.

إلا أنه من حقنا أن نطالب بأكثر من ذلك، وبما أن الحكومة تؤكد تحقيقها لأرقام نمو مطّرد، فلماذا لا تعود بحياتنا المعيشية اليومية إلى ما كانت عليه عام 1971 حيث كان الحد الأدنى للأجر وهو 325 يستطيع شراء 295 وجبة؟! أي أننا إذا أردنا العودة للمستوى المعيشي الذي كان سائداً في تلك الأيام، وبما أن قيمة الوجبة حالياً تبلغ 87.7 ل.س، فيجب أن يكون الحد الأدنى لدخل الأسرة مبلغ 295×87.7=25872 ل.س. وقياساً عليه يمكن اعتماد الجدول التالي:

العام

 

الحد الأدنى للأجر (ل.س)

 

قيمة الوجبة (ل.س)

 

عدد الوجبات

 

الحد الأدنى للأجر الافتراضي بأسعار العام الحالي (ل.س)

 

1971

 

325

 

1.1

 

295

 

25872

 

1976

 

422

 

2.5

 

169

 

14821.3

 

1987

 

2256

 

16

 

141

 

12365.7

 

2001

 

5525

 

48

 

115

 

10076

 

2010

 

6010

 

87.7

 

69 

من الجدول يتبين أن الحد الأدنى للأجر لعام 1976 كان422 ل.س، وباعتبار أن قيمة الوجبة بلغت آنذاك 2.5 ل.س فكان يمكن لصاحب الأجر إياه أن يؤمن 169 وجبة، التي إذا أراد تأمينها اليوم يحتاج الى 169×87.7=14821.3 ل.س، وفي عام 1987 كانت قيمة الوجبة 16 ل.س بأسعار ذلك التاريخ، وكان الأجر البالغ 2256 ل.س يؤمن 141 وجبة التي إذا كنا نريد تأمينها اليوم نحن بحاجة الى 141×87.7=12365.7 ل.س، وفي عام 2001 وباعتبار أن قيمة الوجبة قد بلغت 48 ل.س، وكان الحد الأدنى للأجور 5525 ل.س، فإنه كان يؤمن 115 وجبة، التي يتطلب تامينها اليوم 115×87.7=10076 ل.س.

من هنا نرى وحسب ما تشير الأرقام وانعكاسها على أرض الواقع أنه ليس هناك معدلات نمو ايجابية للمستوى المعاشي، الذي راح يتراجع باطِّراد بسبب السياسات الاقتصادية التي تجلت في مظاهر خطيرة منها:

• ارتفاع معدلات التضخم الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، والذي أدى بدوره إلى تدهور مستوى المعيشة لغالبية المواطنين السوريين، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

• توسع دائرة الفساد على المستوى الاجتماعي العام، وخضوع المواطنين لتقلبات الأسعار التي يتحكم بها حفنة من التجار جشعاً واحتكاراً.

• انخفاض القدرة الشرائية نتيجة تراجع الأجور مقارنة بارتفاعات الأسعار المتواصلة، وكان من الأسباب الرئيسية لازدياد الفجوة بين الأجور والأسعار ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، الذي ساهم في ارتفاع أسعار معظم المواد الاستهلاكية والتموينية والغذائية الضرورية لاستمرار حياة الإنسان.