في التراث والديالكتيك
يعتبر التراث بشقيه المادي واللامادي جزءاً مهماً من تاريخ أي مجتمعٍ وأي شعب وذاكرته، ينمو ويتطور بتطور المجتمعات والشعوب، وفق قوانين التطور الديالكتيكية وليس وفق الرغبات، بالإضافة إلى أنه له قانونيته الخاصة.
يعتبر التراث بشقيه المادي واللامادي جزءاً مهماً من تاريخ أي مجتمعٍ وأي شعب وذاكرته، ينمو ويتطور بتطور المجتمعات والشعوب، وفق قوانين التطور الديالكتيكية وليس وفق الرغبات، بالإضافة إلى أنه له قانونيته الخاصة.
الفلسفة أو شمولية التجريد والتعميم هي بالنهاية قضية ترتبط بشكل وثيق بنظرية المعرفة، أي في انعكاس الواقع المادي في الوعي، بشكل مفاهيم وعلاقات. إنها إذاً مسألة تاريخية. فانعكاس الواقع المادي في الوعي، ليس انعكاساً مباشراً، بل تتوسّطه علاقة صاحب الوعي بالواقع. أي يتوسطه النشاط والممارسة التي تربط الفرد بالمجتمع. وظروف المرحلة الحاليّة تصبغ الفلسفة بملامح يجب التوقف عندها لما له من دور على الصراع السياسي عالمياً، أي قضية الوعي البشري عموماً.
وُلِد فريدريك إنجِلس في 28 من تشرين الثاني 1820، وتوفي في 5 آب 1895. «لو لم يكن إنجلس الرفيق الدائم لماركس في نضالات القرن التاسع عشر الثورية، فلا شك أنه كان سيُذكَر كأحد أبرز العلماء والفلاسفة في ذلك القرن. إنّ الإهمال التامّ الذي لقِيَه إنجلس من علماء العصر الفيكتوري برهانٌ ومفارقة مريرة على صحة آرائه فيما يتعلق بالعلاقة بين السياسة والإيديولوجيا» – جون بيرنال (1936) عالم بلورات في جامعة كامبريدج. «يمكن إنجاز تشخيصٍ ديالكتيكي للعلم التقني المعاصر، ينقل التركيز من الألبومين الاصطناعي بوصفه (مادة حيّة) كما ناقشه إنجلس، إلى البحث المعاصر في الخلايا الاصطناعية، كما تنبّأ به إنجلس» – هاب زوارت، الباحث والمؤلِّف في قسم الفلسفة بجامعة إيراسموس روتردام، هولندا، في بحث جديدة له في المجلة العالَمية «العلم والمجتمع» (عدد تمّوز 2020).
«ان الوجود المجرد للانسان، وجوده كإنسان عامل فقط، يمكن، بالتالي، أن يسقط، يومياً، من عدمه المليء إلى العدم المطلق، إلى لا وجوده الاجتماعي، بل والفعلي. ومن الناحية الأخرى، هناك إنتاج موضوع النشاط الإنساني كرأسمال، حيث زال كل تحديد، طبيعي أو اجتماعي، للموضوع... وحين يدُفع بهذا التناقض بين العمل والرأسمال إلى نهايته فإنه يغدو، بالضرورة، الهدف النهائي لكل علاقة الملكية الخاصة، يغدو ذروتها وانهيارها» ماركس – راس المال
مقطع من مادة مطولة بعنوان: «ديالكتيك إعادة إنتاج الهوية في الفكر الماركسي»
عند دراسة تاريخ أزمات الرأسمالية الكبرى يلاحظ تلازمها مع الحروب، التي ما هي سوى تعبير عن أزمة داخلية مستعصية الحل يجري تصديرها. ويتم ذلك عبر خلق عدو وهمي مفترض في كل مرحلة، هو في الحرب الراهنة «الإرهاب»، أما الهدف المعلن فهو «الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان».
وفي المقالة المعنونة «من ديالكتيك ماركس إلى ثنائيات ماني.. دروس في الميتافيزيقيا» المنشورة في قاسيون، العدد (423) ص11، نجد تحاكياً مصغراً لهذا الأسلوب، حيث تغدو أزمة الرأسمالية هنا أزمة فيض ذاتية مستعصية لمثقف برجوازي صغير، أما العدو الوهمي المفترض فهو «المنطق المانوي»، والحرب «الجعجعة» التي يبدو هدفها الدفاع عن «الديالكتيك المادي» ما هي إلا ستار لدفاع مثقف برجوازي صغير تعرضت إحدى نتاجات «دماغه» للنقد. إن الطابع البرجوازي الصغير للمثقف يتأتى من امتلاكه لوسيلة إنتاجه: دماغه، مما استدعى من هذا الكاتب أن يخرج من جعبته كل أساليب التقويل و«الحربئة» لتحقيق «نصر» فكري مفترض على عدو مفترض.
نستطيع تتبع تطور العناصر الأولى للديالكتيك في تراث شعوب الشرق القديم، فخلال 2500 سنة تطورت المادية الديالكتيكية منذ تعاليم الفيلسوف الإغريقي هيراقليت في القرن السادس ق.م، إلى الصراع ضد الحقيقة المطلقة عند لوقيانوس السوري في القرن الثاني الميلادي وأخيراً إلى الشكل الذي أخذته على يد ماركس وآنجلز في القرن التاسع عشر ولينين في القرن العشرين.
كثيرة هي الأسماء التي تنتصب أمام عيوننا حينما نستعرض صفحات من حياة الحزب الشيوعي السوري، ولكل منها موضع لا يزاحمه غيره عليه، لأن لكل منهم دوره ونضاله وسيرته، وبخاصة أولئك الذين أسهموا في بناء اللبنات الأولى بصرح الحزب، إنهم الأصول التي أطلقت الفروع لتشمخ بهم جميعا سنديانتنا الحمراء في سماء الوطن الغالي، ومن هذه الأسماء ذات السيرة والسمعة الطيبة اسم الرفيق جورج متري عويشق، ضيف العدد (300) من قاسيون .
من خلال المتابعة المستمرة والاطلاع الدائم والمعايشة اليومية، يبدو واضحاً أن الشيوعيين جميعاً دون استثناء يعلنون ويقرون أن مرجعيتهم الفكرية هي الماركسية اللينينية، وما يختزنه التراث الفكري التقدمي العربي والإنساني، فمن هذه المصادر الثرّة ينهلون مفاهيم المعرفة، ويستوعبون قوانين الديالكتيك وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، كونها المنهج والمرشد العلمي لفهمه والعمل لتغييره، وجميعهم يعلنون في السر والعلن تصديهم بكل قوة للقوى المعادية لوطننا وأمتنا، من إمبرياليين وصهاينة، وينبرون لتبني قضايا الجماهير الكادحة وكافة المستضعفين والمحرومين.
تتلخص الصراعات الفلسفية كلها، منذ القِدَم وحتى اللحظة، بصراع بين المذهبين الفلسفيين الأساسيين، المذهب المثالي من جهة، والمذهب المادي الديالكتيكي في الجهة المقابلة.