في صراع المفاهيم وعملية التغيير
«ان الوجود المجرد للانسان، وجوده كإنسان عامل فقط، يمكن، بالتالي، أن يسقط، يومياً، من عدمه المليء إلى العدم المطلق، إلى لا وجوده الاجتماعي، بل والفعلي. ومن الناحية الأخرى، هناك إنتاج موضوع النشاط الإنساني كرأسمال، حيث زال كل تحديد، طبيعي أو اجتماعي، للموضوع... وحين يدُفع بهذا التناقض بين العمل والرأسمال إلى نهايته فإنه يغدو، بالضرورة، الهدف النهائي لكل علاقة الملكية الخاصة، يغدو ذروتها وانهيارها» ماركس – راس المال
ليس مهماً كيف نرى العملية التربوية في التربية- التعليم، أو المجتمع، بقدر أن نرى كيف تؤثر على إدراكنا، واستيعابنا للمفاهيم الاجتماعية والأخلاقية وبالتالي تعاملنا وعلاقتنا بالآخرين في المجتمع. فإلى اليوم، تأخذ التربية الاخلاقية وعلاقتها ببناء الفرد حيزاً كبيراً في نقاشات العديد من المتابعين لتطوير التعليم. لأنها من دون شك تعكس آلية تحرك المجتمع وقيمه الاجتماعية، وما يراد من هذا المجتمع أن يكتسبه من قيم من قبل المشرفين عليه، أي: الدولة أو «صناع القرار»، كما يحب البعض أن يسميهم للتخفيف من علاقتهم السياسية بالمفاهيم الأخلاقية والتربوية في المجتمع. ولكن يتفق هؤلاء جميهم: أن اكتساب المفاهيم الأخلاقية، إما عبر التعليم، أو التربية، أو التواصل الاجتماعي، مرتبطةً بالمجتمع. والبعض يعطي اكتساب مفهوم ما عند الفرد او في مجتمع معين، بعداً علائقياً ليس فقط بمجتمعه بل بالطريقة التعليمية، والمفهوم الذي يرتبط في ذهن الأشخاص بين الشيء أو الفكرة ومعناها. (فيغوتسكي، لوريا، تابان) وكيف تكتسب هذه المفاهيم عبر علاقة الفرد بالمجتمع، والأدوار التي تنسب إلى كل شيء، حركة، مهنة، أو خاصية، معنى في أذهاننا، التي تحكم نظرتنا لأي مجتمع نريد.
ماذا اكتسبنا من مفاهيم وقيم؟
تغلب بعض المفاهيم الاجتماعية، على غيرها، ارتباطاً بطبيعة الأنظمة السياسية والاجتماعية التي سادت وتسود في بلادنا. فمفهوم المقاومة مثلاً ارتبط بواقع الاحتلال، وكسب معنى خاصاً عند مجتمعاتنا، مختلفاً عن المعاني التي اكتسبها في مجتمعات لم تعرف الاحتلال او الاستعمار، او عرفته ولكن فعل المقاومة لم يحمل صفةً شعبيةً. أما مفاهيم الرجل، المرأة، التلميذ، الأستاذ، الطفل، المعلم، القائد، السياسي، الاقتصادي، الإنساني، الناشط، الديمقراطي، والمفاهيم جميعها التي نطلقها على بعضنا، فقد اكتسبناها من تقسيم العمل في المجتمع والوظائف التي أعطيت لكل فرد بحسب موقعه الاجتماعي فيه في الهرمية الاجتماعية.
في موقع بلداننا السياسي وما اكتسباه من النظام الرأسمالي
اما ما اكتسبناه من تأثير المفاهيم الليبرالية علينا، مرتبطة بتقسيم العمل، حتى لو بطريقة غير مباشرة. ففعل التنافس، الملكية الخاصة، والاستعراض الذي نتربى عليه في الأسرة والمدرسة، يلاحقنا إلى المجتمع عندما تتوسع دائرتنا الاجتماعية. وهمٌ من القيم التي أرستها الليبرالية، كما أرست معها الدونية في التعاطي مع «الخارجي» الأكثر «تطوراً وإبداعاً وحريةً». وافضت مفاهيم مثل الإنسانية والديمقراطية فضفاضةً جداً بحيث محسوبة على عمل مجرد عن علاقته بموقعه السياسي. تماماً مثل الحديث عن النسوية، ومفاهيم المساواة الاجتماعية بتجريدها عن كون المرأة جزءاً من المجتمع لا يجب تجزئته، أو عزله عن أي عمل سياسي أو مجتمعي. أو عن الحب والعلاقات العاطفية، والتي تحمل فكرة التملك من جهة، وفكرة الاكتفاء من جهة أخرى، وذلك بتجريدها عمّا نعنيه بالحب، وبكيف اكتسبنا هذا المفهوم، عبر سني حياتنا ومن محيطنا.
بالعودة الى ماركس الذي تحدث عن تسليع الإنسان، وبالتالي اغترابه. يكمل فيغوتسكي مفسراً تطور إدراكنا، وكيف أن النظام الاجتماعي (الناشئ عن النظام السياسي والاقتصادي) يخلق الإدراك والوعي. وبالتالي فمفاهيم، التطرف، العنصرية، أو حتى استمرارية الحياة، أصبحت أساسيةً ومرتبطة بمدى عمق تأثير الأزمة الاجتماعية علينا. ومعالجتها مرتبطة بمواجهة مفاهيم كالتنافس، والذاتية، ليبرالية في مضمونها، تؤسس إلى مفاهيم تسقط الإنسان في «عدميته المطلقة» و«لا وجود اجتماعي»، . فإذا أردنا للحياة بعد الدمار أن ترفض مفاهيم التنافس، والتطرف، باختصار الفصل، علينا البدء بتركيز مفاهيم مرتبطة بقيم التطور الجماعي والإنتاج الحقيقي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 807