هل يظهر ساعي البريد حقاً؟
متى بدأ الأمريكيون الذين يديرون أمور أمريكا يعرفون بأنهم يسيرون إلى التراجع الكبير؟
متى بدأ الأمريكيون الذين يديرون أمور أمريكا يعرفون بأنهم يسيرون إلى التراجع الكبير؟
تدير شركة «بلاك روك» ما يقرب من 10 مليارات دولار من الأصول، وبالتالي يميل المستثمرون لإيلاء اهتمام شديد لوجهات نظر وآراء رئيس مجلس إدارتها ومديرها التنفيذي لاري فينك. لنستمع إلى الرسالة التي وجهها لحاملي الأسهم في شهر آذار الماضي: «وضع الغزو الروسي لأوكرانيا حدّاً للعولمة التي شهدناها على مدى العقود الثلاثة الماضية... إنّ العدوان الروسي في أوكرانيا وفصلها اللاحق عن الاقتصاد العالمي سوف يدفع الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم إلى إعادة تقييم الأماكن التي تعتمد عليها وإعادة تحليل وجودهم التجميعي والتصنيعي- الأمر الذي بدأ الكثيرون بفعله مدفوعين بكوفيد». بعبارة أخرى، كان لمشهد الشهور الماضية ولأعمال الناتو تداعيات بعيدة المدى تتجاوز العدوان الذي حشدته الولايات المتحدة عندما غزت أو دمرت بلداً تلو آخر لسنوات وسنوات. هل العولمة ميتة الآن؟ كيف تصبح الأزمات جزءاً من خطّة الأمريكيين ولكنّها بنفس الوقت قد تسدد ضربة لهم؟
أعلنت رئيسة المنتدى الدولي لدول مجموعة «بريكس» ورئيسة الوفد الهندي في منتدى «تكنوبروم» الروسي، بورنيما أناند، أن البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا منفتحون على روسيا وهناك فرصة حقيقية للتغلب على تداعيات العقوبات الدولية.
كان هنري كيسنجر يُعبّر عن مخاوفه منذ فترة وجيزة بالقول بأنّ الولايات المتحدة «على حافة حرب مع روسيا والصين»، يُشاطره في ذلك الكثير من المسؤولين حول العالم، مثل: رئيس الوزراء السنغافوري الذي شاركه مخاوفه بالقول بأنّ الولايات المتحدة والصين قد يكونان: «يمشيان دون وعي إلى نزاع». ربّما السبب الحقيقي في هذه المخاوف أنّ جينات رأس المال الغربي الساعي للسيطرة تحوي شيفرة الحرب في جميع مراحل توسعه. تقوم الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة باتباع مسار حلزوني في محاولة احتواء الصين، ولا يبدو أنّ هناك حدّاً أقصى ستتوقّف عنده وتأخذ استراحة. تتصرّف الولايات المتحدة اليوم مثل حصان هارب يركض بعنف إلى حافة الحرب. لكن هل حقاً هذه المسألة مرتبطة بإرادة واشنطن فقط؟ ما هي النقاط التي يجب على كلا الطرفين مراعاتها؟ وهل بعض التفاصيل التي علينا أخذها في الحسبان ونحن نراقب ما يجري ستغيّر ديناميكية المواجهة بين الطرفين؟
يحتل هذا السؤال حيزاً كبيراً من وقت المحللين السياسيين، ومن المساحات المخصصة في وسائل الإعلام، التي غالباً ما يجري ضبطها بعناية فائقة، وتبقى الإجابة عن السؤال المطروح مهمة ضروريةً بغضِ النظرِ عن دوافع أو نوايا السائلين، فالجواب النهائي أكبر من حدود تايوان بكثير، ويكشف قدرة الصين الحقيقية على مواجهة المحاولة الأمريكية المستمرة لإخضاعها.
خلال العام الجاري، تولت الصين رئاسة مجموعة دول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا). حيث حملت الفترة ما بين 22 و24 حزيران الماضي قمة مجموعة بريكس الرابعة عشرة التي تزامنت مع حوارٍ رفيع المستوى بشأن التنمية العالمية. وتحت شعار «تعزيز شراكة بريكس العالية الجودة، وبدء عصر جديد للتنمية العالمية»، قام قادة الدول الخمس بمناقشة عميقة حول تعاون الدول الأعضاء في كافة المجالات والقضايا ذات المصالح المشتركة. أما الميزة الأساسية لهذا العام، فهي أن القادة لم يناقشوا نواياهم اللاحقة حول النتائج الابتكارية فقط، بل احتفلوا بنتائج حقيقية على الأرض تم إنجازها، وباتت تمهّد الطريق لدخول منظومة بريكس في مرحلة جديدة كلياً باعتراف المحللين الغربيين.
أعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، عن قلق بلاده من العلاقات بين موسكو وبكين، بعد انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محاولة الولايات المتحدة تصعيد الموقف حول تايوان.
نستطيع القول: إن الأسابيع الماضية جعلت «مسألة تايوان» في الواجهة وضمن إطار اهتمام الجميع، وتحديداً بعد إطلاق الصين للمناورات العسكرية الأولى من نوعها، التي شدّت أنظار الكوكب، وحبست الأنفاس ترقباً لتطورات المشهد. وهو ما دفع هنري كيسنجر للخروج مجدداُ ويحذر من تهوّر صانعي السياسات الأمريكيين!
تشير بعض التطورات الأخيرة إلى أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي خضعت مع من تمثله داخل الولايات المتحدة لإرادة الصين، فعلى الرغم من أن احتمالات التصعيد لم تتلاش بعد، إلا أن جملة من المؤشرات تشير إلى احتمال انكفاءٍ أمريكي محرج، تلغى على إثره الزيارة المعلنة إلى تايوان.
خلال لقاء له على القناة الألمانية ZDF، وإجابة عن أحد أسئلة المحاور، قال كيسنجر: «التخلي عن الأراضي الأوكرانية لا يمكن أن يكون شرطاً يمكن قبوله».