يبدو أن واشنطن بدأت بالتراجع تحت تهديد السلاح الصيني!

يبدو أن واشنطن بدأت بالتراجع تحت تهديد السلاح الصيني!

تشير بعض التطورات الأخيرة إلى أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي خضعت مع من تمثله داخل الولايات المتحدة لإرادة الصين، فعلى الرغم من أن احتمالات التصعيد لم تتلاش بعد، إلا أن جملة من المؤشرات تشير إلى احتمال انكفاءٍ أمريكي محرج، تلغى على إثره الزيارة المعلنة إلى تايوان.

بعد عددٍ من التصريحات المتخبطة، والتي لم تكن كافية لحسم زياراتها المعلنة إلى تايوان، نشرت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي اليوم الأحد 31 تموز تغريدة في حسابها الرسمي على موقع تويتر بالإضافة لنشر خبر صحفي في موقعها الرسمي، لتقول بشكل غير مباشر، بأن تايوان ليست على قائمة محطات جولتها الآسيوية. وقالت بيلوسي: «أقود وفدًا من الكونغرس إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ لإعادة تأكيد التزام أمريكا الذي لا يتزعزع تجاه حلفائنا وأصدقائنا في المنطقة. وسوف نعقد اجتماعات رفيعة المستوى في سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان، لمناقشة كيف يمكننا تعزيز مصالحنا وقيمنا المشتركة».

ما الذي يدفع بيلوسي للتراجع؟

انطلقت طائرة بيلوسي من الولايات المتحدة يوم الجمعة 29 تموز، وأشارت بعض التقارير الصحفية أن تايوان كانت على قائمة المحطات بصفة غير مؤكدة، فعلى الرغم من التقرير الذي قدمه البنتاغون لإيضاح مخاطر هذه الزيارة، وانخفاض الحماس الواضح في أجزاء فاعلة من إدارة الرئيس بايدن، إلا أن بيلوسي لم تلغ الزيارة رسمياً! وأبقت نوعاً من الغموض حول مصيرها. وهو ما نقل زمام المبادرة إلى الصين، والتي كرر مسؤولوها التحذيرات دون توقف منذ أعلن عن هذه الزيارة. لكن الأيام القليلة الماضية أظهرت تصعيداً متبادلاً بين بكين وواشنطن، إذ حرك الجيشان قطعاً عسكرية نوعية في محيط تايوان. فانطلقت حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس رونالد ريغان ومجموعتها الضاربة، بما في ذلك مدمرة صاروخية موجهة وطراد صواريخ موجهة من سنغافورة باتجاه مضيق تايوان، التي سرّبت استعدادات وتدريبات تجري في باطن الأرض، ظهرت فيها طائرات تايوانية يجري تحميلها بالذخائر الحية في خطوة غير مسبوقة. أما في الصين، فقد أعلن جيش التحرير الشعبي الصيني في تصريحات إعلامية «الاستعداد للحرب» وبدأت الصين بإجراء مناورات عسكرية شملت كل أنواع القوات، واستخدمت الذخائر الحية في بعضها، وأعلنت مصادر عسكرية صينية بأن المناورات ستجري على السواحل المقابلة لتايوان، وسيجري فيها محاكاة إنزال بري، وحذرت إدارة السلامة البحرية السفن من الاقتراب من مناطق العمليات حرصاً على سلامة حركة الملاحة، هذا بالإضافة لنشر أنباء تفيد بأن الصين تحرّك إحدى أهم سفنها الحربية المتخصصة بالتجسس ودعم وتوجيه الصواريخ البالستية باتجاه سواحل سريلانكا. هذه التحركات العسكرية بالإضافة لمضمون المكالمة التي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الأمريكي والتي حذره خلالها وعلى أعلى المستويات من «مخاطر اللعب بالنار» وما قد ينتج عن السلوك الأمريكي غير المسؤول، والمناقض للاتفاقات الموقعة بين البلدين. شكّلت هذه العناصر مجتمعة ارتباكاً أمريكياً واضحاً وانقساماً في طبيعة الخطوة التالية، وما أن بدأت تلميحات بيلوسي حول إلغاء الزيارة حتى ظهرت الصين بموقع المنتصر في هذه المناورة الخطرة.

ما انعكاسات إلغاء الزيارة؟

لم يُعلن عن إلغاء الزيارة بشكلٍ رسمي كما أشرنا سابقاً، لكن واشنطن وفي هذا الظرف بالتحديد ستسعى لإلغائها دون إعلان، كما لو أن بيلوسي لم تذكر تايوان أصلاً. فما جرى يعني أن الصين باتت قادرة على فرض سيطرتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى تلك الدرجة التي تدفع فيها واشنطن للتراجع. فعلى الرغم من أن القوات الأمريكية في آسيا ليست عاجزة عن إلحاق أضرار كبيرة في الجيش الصيني، لكنها وفي تقييم الوضع القائم ترى نفسها الخاسر الأكبر في أية مواجهة مسلحة مع الصين، فالأدميرال الأمريكي جون أكويلينو، الذي يرأس قيادة المحيطين الهندي والهادئ، قال منذ عدة أشهر: إن «الجيش الأمريكي في حاجة ماسة إلى قدرات إضافية من أجل عمليات فاعلة في المنطقة». ليصرّح رئيس هيئة الأركان الأمريكية مارك ميلي منذ أيام: إن «الصين أصبحت أكثر عدوانية في اعتراض الطائرات العسكرية، والقيام بمناورات جوية غير آمنة على مدى السنوات الخمس الماضية». وقدم بعض التفاصيل الإضافية في تصريحات صحفية مفادها بأن قدرات الصين العسكرية باتت أكثر حضوراً في المنطقة، وأن هذه القدرات تشكّل تهديداً حقيقياً على قوات الولايات المتحدة وحلفائها. كل هذا سيضيف فشلاً أمريكياً جديداً إلى القائمة التي بدأت تكبر يوماً بعد يوم.

تراجع تحت تهديد السلاح وانعكاساته!

ما أن تعود بيلوسي إلى بلدها لن نكون بحاجة إلى أي إعلان رسمي عن إلغاء زيارة تايوان. ولكن ما يثير الانتباه في كل ما جرى، هو أن انخفاض لياقة واشنطن السياسية والدبلوماسية في الكثير من الملفات، وكان آخرها زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، كان يعزى إلى تركيز الولايات المتحدة على الصين. لكن هذا الحدث يؤكد انخفاض لياقتها حتى في بؤرة تركيزها. فالصين أصرت منذ اللحظة الأولى أن وصول بيلوسي إلى تايوان سيعقبه رد فعل، وأكدت أن رد الفعل هذا سيكون عسكرياً وغير متوقع. فكفل التهديد الجدي أن تعيد واشنطن حساباتها لتُظهر أمام العالم أجمع انخفاض لياقتها العسكرية أيضاً. هذا الفشل يمثل تطوراً نوعياً في مسلسل التراجع الأمريكي، كونه ذا طابع عسكري مباشر من جهة، وكونه «المواجهة الأكبر» بين بكين وواشنطن منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من جهة أخرى، بعد أن كان البعض يظن أن واشنطن ستكون أكثر قدرة على الحركة في آسيا بعد أن تدخل روسيا في مواجهات ساخنة في أوروبا.
تداعيات هذا التراجع ستكون ذات صدى كبير داخل الولايات المتحدة، فما جرى يعد بمثابة صب الزيت على نار الانقسام الملتهبة، وقد بدأ ترامب بالفعل في استغلال ما جرى، مما سيكون له أثرٌ واضح في الانتخابات النصفية القادمة، وفي المقلب الآخر من العالم ستنظر إليها الدول المحيطة بالصين بشكلٍ مختلف جداً، وتحديداً أولئك المنخرطين في تحالفات عسكرية مع واشنطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1081