افتتاحية قاسيون 1248: الثقةُ بالأمريكي وهمٌ وقبضٌ للريح!

افتتاحية قاسيون 1248: الثقةُ بالأمريكي وهمٌ وقبضٌ للريح!

تسمح الشهور العشرة الماضية، وتحديداً بعد زيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى روسيا يوم الأربعاء 15 تشرين الأول، بتقييم موضوعي للدور الأمريكي في سورية؛ فرغم «الكلام المعسول» والوعود المتكررة، إلا أن السياسة الأمريكية تجاه سورية اتسمت بأنّها تعمل بوضوح بالضد من المصلحة السورية، وبغياب وجود نيّة حقيقية لصُنّاع القرار الأمريكيين بإعطاء سورية فرصة جدية للخروج من المستنقع الذي كانوا هم أنفسهم طرفاً معلناً في صناعته.

 

إن العقوبات الأمريكية التي أضرّت بالشعب السوري طوال سنوات، تظل بالنسبة للولايات المتحدة أداة أساسية للابتزاز السياسي، وتعمل من خلالها على تحصيل قائمة من المكاسب على حساب استقرار سورية ووحدتها. ورغم الاحتفالات المتكررة برفعها المفترض، إلا أنّها لا تزال قائمة، وخاضعة للتجاذبات، حتى باتت المصلحة السورية الحقيقية تفرض علينا ألّا نعوّل على رفعها بشكلٍ ناجز، وأن نبحث عن حلول تنطلق من افتراض بقاء العقوبات.

استمرار العقوبات وما رافقه من ابتزاز وخداع، لم يكن السمة الوحيدة للسلوك الأمريكي، بل تحوّلت ممارسات المبعوث الخاص للملف السوري توم براك إلى عامل تفجير وتوتير، حيث لعب دوراً واضحاً ومباشراً بنصب «الفخاخ» بدلاً من الإسهام في بناء استقرار، حتى باتت سورية أكثر هشاشة خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى البصمات الأمريكية الواضحة في كل المآسي التي عاشتها سورية خلال أكثر من 14 عاماً مضى، وخلال الأشهر العشرة الماضية بشكلٍ إضافي.

«أن تكون صديقاً للولايات المتحدة، فذلك أخطر من أن تكون عدواً لها»، حقيقة قالها مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر لا من باب «انتقاد الذات»، بل تبجحاً بقدرة الولايات المتحدة على فرض ما تريد! لكن هذه «القدرة الكلية» أصبحت اليوم جزءاً من التاريخ؛ فحتى «أصدقاؤها» وحلفاؤها المفترضون ينفكّون عنها، من تركيا إلى دول الخليج إلى الهند وباكستان وغيرهم، هؤلاء لا ينطلقون من أي مواقف إيديولوجية، بل يدركون ذلك من خلال الممارسة العملية، فكيف يمكن لدول الخليج التي يفترض أن تضمن الولايات المتحدة حمايتها أن تتصرف بعد العدوان «الإسرائيلي» على قطر؟ وهل يمكن الوثوق بالأمريكان بعد ذلك؟!

إن بقاء سورية الموحدة هو مصلحة حقيقية للسوريين، وضربُها وتفتيتها هو هدف «إسرائيلي» معلن، ولم يكن الدور الأمريكي رادعاً بل العكس؛ فترامب أعاد اعترافه بضم الجولان المحتل إلى «إسرائيل»، كما لا تحرّك واشنطن ساكناً حيال الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة على سورية، وتدعم موقف الكيان المعتدي على طول الخط في الأوساط المختلفة، وضمناً في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي.

إن السلوك «الإسرائيلي» والأمريكي لا يستهدف سورية وحدها، بل يأتي في سياق تحويلها إلى أداة لتفجير المنطقة، بما فيها تركيا، لذلك يمكن أن تتحول العلاقات مع روسيا والصين إلى ضرورة لموازنة الكفة، إذا ما أردنا البحث عن حلولٍ أخرى بعيداً عن الأمريكي، فبدلاً من انتظار شهادة حسن السلوك من واشنطن، يمكن لسورية اليوم انتزاع زمام المبادرة، عبر بناء شبكة علاقات خارجية مع الأطراف التي ترى مصلحة في بقاء سورية موحدة، وإن إتمام ذلك والحفاظ على سورية موحدة لا يمكن أن يحصل إلا عبر تمتين جبهتنا الداخلية أولاً، وعبر إنجاز مؤتمر وطني حقيقي يقودنا إلى برّ الأمان، وعبر صياغة علاقات خارجية تخدم مصالحنا الوطنية حقاً، وتنهي أي أوهام حول دورٍ أمريكي إيجابي في سورية.

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1248
آخر تعديل على الأحد, 19 تشرين1/أكتوير 2025 19:28