كم مرة بعد سنحتفل برفع العقوبات؟
خلال الأيام الماضية، احتفل الإعلام الرسمي السوري الجديد، ومعه بطبيعة الحال عدد من المسؤولين السوريين الجدد و«المؤثرين» الجدد، مرة جديدة برفع العقوبات الأمريكية عن سورية، وذلك انطلاقاً من أن مجلس الشيوخ الأمريكي مرر قانون موازنة الدفاع للسنة القادمة، مع إضافة مواد عليه تتعلق بإلغاء قانون قيصر الخاص بالعقوبات على سورية «دون شروط» كما يقال، ولكن في الحقيقة مع وجود آليات رقابة تسمح بإعادة فرض عقوبات على سورية في أي وقت لاحق، على أن يبدأ تطبيق الأمر مع بداية السنة الجديدة.
ويوضح الخبراء القانونيون، أن هذه الخطوة ليست نهاية المطاف، فما تزال أمام القرار مرحلتان في مجلس النواب ولدى الرئيس الأمريكي حتى يتحول إلى التطبيق الفعلي، مع وجود احتمالات نكوص في أي من المرحلتين القادمتين، ناهيك عن أن ما يسمى «آليات الرقابة على التنفيذ»، يمكنه أن يتحول إلى العصا المرفوعة بشكل مستمر فوق رؤوس السوريين كآلية ابتزاز سياسي، هذا في حال جرى فعلاً إنهاء قانون قيصر.
تكشف «الاحتفالات» المتكررة والمبالغ بها، بأمر من المفترض أنه قد تحقق فعلاً وتم الاحتفال به عدة مرات سابقاً، عدة أمور مهمة، بينها:
أولاً: النفاق الأمريكي في موضوع مساعدة سورية في التعافي، وإعادة الإعمار، وتأمين الاستقرار، يظهر بشكل واضح ومتكرر عند كل مفصل جديد، ابتداء من غض الطرف عن العدوان والتوغل «الإسرائيلي» المستمر، ومروراً بالعقوبات، ووصولاً إلى محاولة فرض التوجهات السياسية الخارجية للبلاد.
ثانياً: البحث عن إنجازات وانتصارات شكلية في إطار العلاقات الخارجية، هو انعكاس لغياب الإنجازات على المستوى المحلي الداخلي؛ أي غياب الإنجازات الفعلية ليس فقط في مضمار الاقتصاد ومعيشة الناس فحسب، بل وأيضاً في تحقيق أمانهم وفي الوصول إلى تمكينهم من المشاركة السياسية الحقيقية في تقرير مصيرهم، وبالتالي تأمين وحدة بلادهم وتحصينها ضد التدخلات الخارجية.
ثالثاً: تعكس الاحتفالات المبالغ بها رغبة أو قناعة لدى مجموعات بعينها، بأن أمريكا يمكنها أن تتحول إلى حليف حقيقي لسورية، وهو أمر شديد الخطورة على وحدة البلاد وأمنها الوطني، ببساطة لأنه يخالف منطق الأمور الواضح والملموس في مجمل المنطقة، بل وفي العالم بأسره...
رابعاً: تعكس أيضاً، أن مركز ثقل الاهتمام منصب نحو الخارج لا الداخل، وأن هنالك افتراضاً يقول: إن تأمين علاقات معينة مع الخارج يمكنه أن يكون وسيلة حل مشكلات الداخل... ورغم أن طريقة إدارة العلاقات الخارجية بشكل متوازن هو أمر حيوي بالنسبة لأمن البلاد ووحدتها، إلا أنه يبقى أقل أهمية وحيوية من المهمة الكبرى الموضوعة أمام السوريين، أي توحيد الشعب السوري وتوحيد الأرض السورية، عبر تمكين الشعب السوري حقاً وفعلاً من تقرير مصيره بنفسه عبر مؤتمر وطني عام وشامل.
أخيراً: فإن الاحتفالات المبالغ بها، يمكن أن تُفهم بوصفها تغطية على الأوضاع الداخلية المتدهورة على المستويات المختلفة، وخاصة المعاشية بالنسبة للغالبية الساحقة من السوريين، والذين يعانون أوضاعاً شديدة البؤس على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي، ليس فقط بسبب الإرث السام الثقيل لسلطة الأسد، بل وأيضاً بسبب الإجراءات الاقتصادية الليبرالية التي يجري اتخاذها حالياً، بما في ذلك شل عمليات الإنتاج الداخلي، عبر تشريع الأبواب للاستيراد، الذي تصب عوائده في جيوب قلة قليلة على حساب المنتجين والعمال من أبناء البلد، ناهيك عن عدم حدوث أي تقدم حقيقي في تخفيض تكاليف الإنتاج محلياً، بل وفي الواقع ازدادت تكاليف الإنتاج، ما أودى بعدد كبير من الورشات الصغيرة والمتوسطة في طول البلاد وعرضها، حتى دون وجود المنافسة القاتلة من البضائع المستوردة... في هكذا ظروف، فإن الاحتفال ورفع صوته وأضوائه، قد يبدو ضرورياً للتغطية على الآلام المتراكمة، وعلى الأنين المتصاعد في صفوف الغالبية الساحقة المسحوقة من السوريين، والتي تشكل الأكثرية الوحيدة في هذه البلاد، وتنتمي لكل القوميات والأديان والطوائف والمذاهب، وتعيش في كل مناطق البلاد من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وتصارع بشكل يومي وبعدد ساعات عمل هائل، فقط لكي تبقى على قيد الحياة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1248