بيدرسن يدلي بتصريحات «وداعية» عقب تقديم استقالته!
فايننشال تايمز فايننشال تايمز

بيدرسن يدلي بتصريحات «وداعية» عقب تقديم استقالته!

أجرت صحيفة فايننشال تايمز قبل بضعة أيام لقاء مع المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن، أطلق خلاله جملة من التصريحات المهمة عقب تقديمه لطلب استقالته؛ وكالعادة، فإن المبعوثين الدوليين يخرجون الماء الذي في فمهم حين يصبحون خارج الملف، أو على وشك الخروج منه... فيما يلي تقدم قاسيون ترجمة للمادة التي نشرتها فايننشال تايمز يوم السابع من أكتوبر الجاري.

ترجمة قاسيون

حذّر مسؤول رفيع في الأمم المتحدة من أنّ سورية تقف على حافة الهاوية وتحتاج إلى «تصحيح مسار»، إذ إنّ الاشتباكات الطائفية وبطء وتيرة الإصلاحات يقوّضان المرحلة الانتقالية الهشّة التي تلت سقوط نظام الأسد. وقال المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن في حديث إلى صحيفة فايننشال تايمز: إنّ الطائفية والصعوبات التي تواجهها الحكومة الجديدة في تحقيق إصلاحات في النظامين القضائي والأمني قد خلقتا حالة من «القلق» داخل البلاد، ما قلّل من موجة التعاطف الأولي مع الرئيس أحمد الشرع. وأضاف: «الوضع على حافة السكين، هذا مدى خطورته. نحن نعلم جميعاً أنّ مثل هذه التحولات تحتاج إلى وقت، لكن عليه (الشرع) أن يقوم بما أسميه تصحيح المسار.”

وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن أن «تتحول سورية إلى ليبيا»، بحسب بيدرسن، في إشارة إلى الصراع والانقسام الذي حوّل الدولة الواقعة في شمال إفريقيا إلى رقعة من الإقطاعيات، بعد الإطاحة بالزعيم معمر القذافي عام 2011. وقال: «لا أحد يريد أن يحدث ذلك، لكنه خطر حقيقي». تأتي هذه التحذيرات الصريحة بعد نحو عام من قيادة الشرع هجوماً واسعاً للمعارضة أطاح ببشار الأسد، وأنهى أكثر من خمسين عاماً من حكم عائلته.

أجرت سورية يوم الأحد انتخابات برلمانية كانت رمزية إلى حدّ كبير، لكنها اعتُبرت اختباراً لالتزام الشرع بانتقال أكثر تمثيلاً. كان معظم السوريين في حالة من النشوة بعد سقوط الأسد، ورحّبوا بتولّي الشرع الحكم متجاوزين المخاوف من الأيديولوجيا الإسلامية لفصيله السني، «هيئة تحرير الشام” (HTS). وقد وعد الشرع، الذي كان مرتبطاً سابقاً بتنظيم القاعدة، بتشكيل حكومة شاملة، وحماية الأقليات، بعد أن ورث دولة مفلسة وممزقة بفعل نحو أربعة عشر عاماً من الحرب الأهلية.

لكن هيئة تحرير الشام ما زالت القوة المهيمنة في الحكم، وقد تزعزعت ثقة السوريين بالقيادة بعد اندلاع معارك بين قوات الأمن اتخذت طابعاً طائفياً. ففي مارس، اندلعت اشتباكات بين موالين سابقين للنظام من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، ومقاتلين تابعين للشرع، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1400 شخص في منطقة اللاذقية الساحلية. كما اندلعت مواجهات مماثلة في يوليو في محافظة السويداء الجنوبية بين أفراد من الطائفة الدرزية والبدو من جهة، وقوات الأمن من جهة أخرى.

زاد الوضع تأزماً عندما شنّت إسرائيل، التي سيطرت على شريط من الأراضي عند الحدود الجنوبية، غارات جوية على قوات الشرع ووزارة الدفاع في دمشق، زاعمة أنّها تدافع عن الدروز. وقال بيدرسون: «الكثير من الناس يقولون لي، إنّ هذه الأحداث تُظهر أنّه لا يستطيع السيطرة على رجاله، ويسألونني عن الرسالة التي يبعثها ذلك.» وأضاف: «يخيّل إليّ أنهم لم يدركوا تماماً مدى خطورة ما يجري على العملية الانتقالية بأكملها.”

أعرب بيدرسن عن أسفه لبطء عملية دمج الفصائل السنية العديدة التي ساندت هجوم الشرع في ديسمبر وانضوت اسميّاً تحت حكومته، ضمن جهاز أمني رسمي موحّد. وقال: إنّ الشرع «لا يشعر بأنه مستعد بعد» للشروع في إصلاحات أمنية، مضيفاً: «ما يحدث هو أن هذه الفصائل جميعها تؤسس إقطاعياتها الخاصة في أنحاء البلاد.» وفي الوقت نفسه، تكافح الحكومة لممارسة سلطتها على مناطق واسعة من البلاد.

فقد انسحبت القوات الحكومية من السويداء بعد اشتباكات يوليو، تاركة المحافظة معزولة إلى حدّ كبير، وتحت سيطرة فصائل درزية ترفض الانخراط في الإدارة الجديدة. وفي المقابل، تسيطر القوات الكردية المدعومة والمسلّحة من الولايات المتحدة على معظم الشمال الشرقي.

كانت الحكومة قد وقّعت في مارس اتفاقاً مع قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية يقضي بدمج نحو 60 ألف مقاتل تابعين لها في مؤسسات الدولة، إلا أن التقدم في هذا المسار كان محدوداً، ويقول الخبراء: إنّ أحداث السويداء زادت تصلّب موقف القوات الكردية.

وقال بيدرسون: «من الواضح جداً أن الشرع يريد منح الأكراد حقوقهم السياسية، لكن ما جرى على الساحل وفي السويداء عمّق انعدام الثقة.» وأضاف: إن التدخل الإسرائيلي زاد أيضاً من تصلب مواقف الدروز و»لا يحقق الاستقرار.”

أشاد المبعوث النرويجي، الذي يتولى منصبه منذ عام 2019 وتقترب ولايته من نهايتها، بتصريح الشرع بأنه سيسمح للجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة بالتحقيق في أحداث السويداء كما فعل سابقاً في الساحل. وأدان الشرع أعمال العنف، وجرى اعتقال بعض عناصر قوات الأمن المتورطين فيها. غير أن بيدرسون شدّد على أنّ الحكومة تحتاج إلى المضي قدماً في عملية عدالة انتقالية للتعامل مع الجرائم المرتكبة في عهد الأسد، وتلك التي ارتكبتها قوات تابعة للشرع.

وقال: إنّ الإدارة تغذي القلق الشعبي من خلال تعيين قضاة شرعيين من معاقل «هيئة تحرير الشام» في محافظة إدلب ضمن السلك القضائي.

أضاف بيدرسون، أنّ الشرع أثبت أنه «براغماتي ويتعلم»، مشيراً إلى أنّ حجم الدمار والانقسام الذي تعانيه البلاد يجعل التحديات التي تواجه أيّ قائد يأتي بعد الأسد «هائلة». ومع ذلك، فإنّ الرئيس الجديد يحتاج إلى طمأنة السوريين بأنه يدرك مخاوفهم، «حتى لا يبدأ المخرّبون بالتحرك ضده»، على حدّ تعبيره.

وقال بيدرسون: إنّ الشرع «مرّ برحلة استثنائية. لديه سنوات طويلة من الخبرة في إدلب، وما فعله هناك كان في الأساس استمالة الناس عندما يستطيع، أو هزيمتهم عسكرياً عندما يعجز عن ذلك.» وأضاف: «إذا أراد أن يستميل الناس في عموم سورية، فعليه أن يكون دقيقاً للغاية، لأنّ نوع الشرعية التي يمتلكها اليوم مختلف تماماً.”

وختم بيدرسون قائلاً: إنّ على السوريين أن يقتنعوا بأنّ ما يحدث هو بداية جديدة، لا مجرد ولادة نظام استبدادي جديد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247